أحدهما ، فلا محالة يقع التعارض بين دليليهما.
وأمّا إذا لم يكن بينهما تنافٍ لا من ناحية المبدأ ولا من ناحية المنتهى ، كوجوب صلاة الفريضة ووجوب إزالة النجاسة عن المسجد مثلاً ، فلا مانع من جعل كليهما معاً أصلاً ، بداهة أنّه لا تنافي بين جعل وجوب الصلاة للقادر وجعل وجوب إزالة النجاسة عن المسجد ، غاية الأمر أنّه قد يتّفق لبعض أفراد المكلفين أنّه لا يتمكن من الجمع بينهما في مقام الامتثال ، وعليه فلا محالة لا يكون أحدهما فعلياً ، لما عرفت من أنّ فعلية الحكم تتبع فعلية موضوعه وهو القدرة في مفروض المقام ، وحيث إنّ فعلية القدرة بالاضافة إلى كلا الحكمين ممتنعة على الفرض امتنعت فعلية كليهما معاً.
ومن البديهي أنّ هذا المقدار من التنافي لا يمنع من جعلهما على نحو القضية الحقيقية ، لوضوح أنّه لو كان مانعاً فانّما يكون من جهة أنّه يوجب كون جعلهما لغواً ، ومن الواضح أنّه لا يوجب ذلك باعتبار أنّه تنافٍ اتفاقي في مادة شخص ما ، والموجب له إنّما هو التنافي الدائمي وبالاضافة إلى جميع المكلفين ، كما هو الحال في الضدين اللذين ليس لهما ثالث ، حيث لا يمكن للشارع إيجابهما معاً ، فانّه لغو محض وصدوره من الحكيم محال ، بل الحال كذلك في مطلق الضدّين ولو كان بينهما ثالث ، كالقيام والقعود والسواد والبياض وما شاكلهما ، فانّه لا يمكن للشارع إيجاب كليهما معاً في زمان واحد ، وذلك لعدم تمكن المكلف من الجمع بينهما في مقام الامتثال أبداً ، من جهة أنّ التنافي بينهما أبدي لا اتفاقي ، وعليه فايجابهما لغو محض فلا يصدر من الحكيم.
ومن هنا قد ذكرنا سابقاً (١) أنّ التضاد بين الفعلين إذا كان دائمياً كان دليل وجوب أحدهما معارضاً لدليل وجوب الآخر لا محالة ، فالملاك الرئيسي
__________________
(١) في المجلد الثاني من هذا الكتاب ص ٤٦٨