والمختار عند شيخنا الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) فساد ما زعموه سواء على القول بالسّببيّة في حجيّة الأمارات ، أو الطّريقيّة فقد أطال الكلام في تقريب المرام على كلّ من القولين والوجهين لخفاء المطلب ودقّته.
وحاصل ما أفاده على الوجه الأوّل : أنّ المستعمل فيه والمراد أمر وحداني لا يختلف حاله بحسب التّعارض وعدمه ؛ فإنّ المراد من دليل الحجيّة ووجوب العمل هو الوجوب التّعييني مطلقا ، إلاّ أنّ التّكليف بجميع أقسامه لمّا كان في حكم العقل مشروطا بالقدرة من غير فرق بين الحكم الأصولي والفرعي ، وكان المكلّف قادرا على العمل بكلّ من المتعارضين مع عدم العلم بالآخر بحكم الوجدان ، كما أنّه غير قادر على العمل به مع العمل بالآخر كان الحاصل : وجوب العمل بكلّ واحد مع ترك العمل بالآخر فالنّتيجة التّخيير ، لكن لا من جهة استعمال اللّفظ فيه حتّى يتوجّه عليه : محذور استعمال اللّفظ في معنيين ، ولا من جهة إنشاء العقل حتّى يكون عقليّا كما في دوران الأمر بين الوجوب والتّحريم ؛ ضرورة امتناع اجتماع وجوبي التّخييري والتّعييني وإن كان أحدهما عقليّا والآخر شرعيّا ، مضافا إلى كونه خلاف الواقع والوجدان.
ومن هنا قلنا في محلّه : بأنّ ما اشتهر من حكم العقل بالوجوب التّخييري بين الأفراد فيما تعلّق الأمر بإيجاد الطّبيعة ، أو بين أجزاء الزّمان في الواجبات الموسّعة ليس على ما يتراءى من ظاهره ؛ ضرورة أنّ ما يوجد في الخارج من الحصّة يتّصف بالوجوب التّعييني لا محالة ؛ لأنّه عين الطّبيعة المطلوبة بالوجوب التّعييني ، فكيف يتّصف بالوجوب التّخييري؟ فالمراد من التّخيير العقلي هو مجرّد تسوية الأفراد في وجدان العقل في انطباق الطّبيعة عليها.