وقد عرفت : أنّ التّخيير بين المتعادلين من الأخبار المتعارضة الّذي هو حكم أصولي لا يجدي العامي أصلا ، والطّريق إلى الحكم العرفي ما يختاره المجتهد من المتعادلين ، فكما أنّ مفاده حكم الله في حقّه كذلك يكون حكم الله في حقّ مقلّديه سيّما على القول بكون الاختيار معيّنا لا يجوز معه العدول إلى غير ما اختاره.
ومنه يظهر فساد قياس المقام بالتّخيير الواقعي بين الفعلين كالقصر والتّمام والعتق والصّوم والإطعام ؛ فإنّه الحكم الفرعي المستنبط من الأدلّة في حقّه وحقّ مقلّديه فلا يجوز له الإفتاء بغيره ، ومن هنا لا يتعيّن أحد الفردين باختياره.
التخيير هنا بدويّ أو إستمراري
الثّاني : أنّ التّخيير في المقام هل هو ابتدائي فلا يجوز العدول عمّا اختاره إلى الخبر الآخر في الواقعة الأخرى ، أو استمراري فيجوز له العدول؟ وجهان ، بل قولان. نسب الثّاني إلى المحقّقين بل إلى المشهور ، وفي « المفاتيح » : التّفصيل بين التّخيير في مقام الحاجة فبدويّ ، وإلاّ فاستمراريّ (١). وفي « التّهذيب » عنوان المسألة في القاضي ؛ فإنّه قال : لو اختار القاضي أحد الخبرين في واقعة جاز له العدول إلى الآخر في واقعة أخرى. واستدلّ له في محكي « النّهاية » : بأنّه ليس في العقل ما يدلّ على خلاف ذلك ولا يستبعد وقوعه ـ كما لو تغيّر اجتهاده ـ إلاّ أن يدل دليل شرعيّ على عدم جوازه ، كما روي أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لأبي بكر :
__________________
(١) مفاتيح الأصول : ٣٨٢.