وربّما يقال بلزوم الإفتاء بالتّخيير من حيث انسداد باب الطّريق إلى الحكم الواقعي في مورد تعارض الخبرين مع تعادلهما كما هو المفروض ، والحكم الظّاهري المستنبط من الأدلّة في الفرض ليس إلاّ التّخيير فتعيّن الإفتاء به ، واختيار المجتهد إنما هو من جهة الدّواعي النّفسانيّة لا الشّرعيّة ، وإلاّ خرج الفرض عن التّعادل ولا يجوز للعامي متابعة المجتهد فيما ينبعث عن دواعيه النّفسانيّة.
فإن شئت قلت : إنّ الإفتاء بالحكم المعيّن مع عدم تعيّنه بالفرض إفتاء بغير حكم الله فلا يجوز للمجتهد حتّى يقلّده العامي. ومنه يظهر : فساد قياس المقام باختلاف العامي مع المجتهد في باب التّرجيح ؛ حيث إنّ نظر العامي ملغى في نظر الشّارع ، فكيف يمكن الاعتماد عليه فيما خالف نظر المجتهد؟
نعم ، لو فرض قطع العامي بخطأ المجتهد فيما استند إليه لا يجوز له تقليده في هذه المسألة ، كما لا يجوز له تقليده فيما لو علم بخطأه بالنّسبة إلى الواقع وإن كان مصيبا في طريق الاستنباط ، وإن كان بينهما فرق وضوحا وخفاء.
ومن هنا قد يقال بجواز تقليد من يعلم بخطأه في مقدّمات الاجتهاد مع احتمال إصابته بالنّسبة إلى الواقع ، وإن كان الحقّ ما عرفت : من عدم الفرق فيما تحقّق الاستناد إلى ما يعلم خلافه ، وإلاّ فمجرّد ذكره في خلال وجوه المسألة في كلامه لا يجدي في ذلك.
وبالجملة : فرق بين ظنّ العامي على خلاف ظنّ المجتهد بالنّسبة إلى الحكم أو طريقه وبين قطعه على خلافه بالنّسبة إلى أحدهما ؛ فإنّ الأوّل ملغى في نظر الشّارع ، والثّاني يمنع من تقليد هذا المجتهد المخطيء في نظره فافهم.