أقول : الكلام في المقام يقع في موضعين :
أحدهما : في المراد من القاعدة وشرح الألفاظ الواقعة فيها.
ثانيهما : في مدركها.
فنقول : المراد من « الجمع » حسبما يفصح عنه كلماتهم الأخذ بجميع جهات المتعارضين وإن أوجب التّصرّف في الدّلالة ، وإلاّ لم يكونا متعارضين ؛ فإنّ مرجع الجمع حقيقة إلى تحكيم دليل الجهتين وترجيحه على دليل اعتبار الظّاهر فطرح
__________________
أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) [ الإنفال ٨ : ٧٥ ] كما هو واضح ، نعم الجمع التبرّعي الذي يستعمله الشيخ الطوسي رحمهالله في كتاب « التهذيب » بعد الترجيح لبعض الأغراض الذي أشار اليه فيه فانه أولى بمعناه الحقيقي ، لكنه غير منظور اليه هنا. ثم انه يظهر من كلام « العوالى » أن أولوية الجمع بالنسبة الى الترجيح ، والأظهر أنه ان تمت القاعدة يحكم بأولوية الجمع على كل ما يلزم على تقدير عدم الجمع من التساقط والتخيير العقلى والشرعي أو الترجيح العقلي أو التعبدي.
ثم لا يخفى أن الجمع لا ينحصر في التخصيص بل أعم منه ومن التقييد والمجاز والنسخ والاضمار كل بحسب ما يقتضيه مورده ، بل الحمل على التقية أيضا من وجوه الجمع لو فرض كون أحد المتعارضين موافقا للعامة فانه كما يمكن الجمع بحمل أحد المتعارضين على الضرورة من غير جهة التقية والآخر على حال الاختيار ، كذلك يجمع بحمل ما يوافق العامة على التقية فانها من أفراد الضرورة وأىّ ضرورة أعظم منها؟ » إنتهى.
أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ٤٤٥ ـ ٤٤٨.