وأمّا الموضع الرّابع : فالدّوران فيه من حيث التّخيير والتّعيين لا تعلّق له برجحان أحدهما ومرجوحيّة الآخر من حيث الأمارات الدّاخليّة والخارجيّة ، بل مستند في الشّبهة الحكميّة إلى أحد أسباب اشتباه الحكم. وقد تقدّم الكلام فيه في الجزء الثّاني من « الكتاب » (١) والتّعليقة (٢) ، وأنّ المختار بل المشهور عدم جواز الرّجوع إلى البراءة فيه ، بل المتعيّن الرّجوع إلى قاعدة الاشتغال فراجع ، وإن كان كلام شيخنا العلاّمة في الجزء الثّاني من « الكتاب » لا يخلو عن ميل إلى البراءة على خلاف ما صرّح به في المقام بقوله : ( ففيه : أنّه لا ينفع بعد ما اخترنا في تلك المسألة وجوب الاحتياط وعدم جريان قاعدة البراءة ) (٣).
نعم ، ربّما يجعل المقام من جزئيّاته ؛ نظرا إلى أنّ احتمال التّرجيح بالمزيّة في معنى احتمال تعيين الأخذ بذيها ، فإذا فرض الإهمال في قضيّة دليل التّخيير ، فيدور الأمر بين التّخيير والتّعيين في المسألة الأصوليّة. ومن هنا قد يبتني الأصل في المسألة على الأصل في تلك المسألة.
ومن هنا أورد في « الكتاب » على ما أفاده : من لزوم الأخذ بالرّاجح بمقتضى الأصل ، بقوله : ( وثانيا : أنّه إذا دار الأمر بين وجوب أحدهما على التّعيين ... إلى آخره ) (٤).
وهو كما ترى ، صريح فيما ذكرنا : من جعل مسألتنا هذه من جزئيّات تلك
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٥٧.
(٢) بحر الفوائد : ج ٢ / ١٧٤.
(٣) فرائد الأصول : ج ٤ / ٥٠.
(٤) نفس المصدر : ج ٤ / ٤٩.