ثمّ إنّ المقبولة والمرفوعة على تقدير اعتبارها وإن كانتا متعارضتين من جهات أخر أيضا في ظاهر النّظر ، إلاّ أنّ تعارضهما من جهتها لما ترجع إلى الإطلاق والتّقييد ، فقد تعرّض قدسسره لحكمه في طيّ الموضع الثّالث بالعنوان الكلّي بقوله : ( الثّالث : أنّ مقتضى القاعدة ... إلى آخره ) (١).
نعم ، ذيلاهما متعارضان لا بالعنوان المذكور.
فقد زعم بعض ـ على ما عرفت الإشارة إليه في مطاوي كلماتنا السّابقة ـ الجمع بينهما بحمل ذيل المقبولة على ما أمكن فيه الاحتياط ، وحمل ذيل المرفوعة على ما لا يمكن فيه الاحتياط ، فلا تعارض بينهما أصلا.
وقد عرفت فساده ، وأنّ عدم موافقة أحد المتعارضين للاحتياط لا يلازم عدم إمكان الاحتياط في المسألة ؛ فإنّه إذا تعارض الخبران في القصر والتّمام مثلا في بعض المسائل فليس شيء منهما موافقا للاحتياط مع إمكان الاحتياط بالجمع بينهما. وهكذا الأمر في جميع موارد تعارض الخبرين في الشّك في المكلّف به في صور المتباينين ، فالمتعيّن الجمع بينهما بما أسمعناك سابقا : من حمل الأمر بالتّوقّف على الأولويّة والإرشاد كما يرشد إليه التّعليل المذكور بعده.
(١٢) قوله قدسسره : ( أنّ الحديث الثّامن ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ٧٠ )
أقول : ظهور الحديث الثّامن فيما أفاده بضميمة عدم القول بالفصل ـ مضافا إلى وحدة السّياق ـ ممّا لا ينبغي إنكاره ، إلاّ أنّه لا يتعيّن طرحه بعد إمكان حمله على الأولويّة والإرشاد العقلي ؛ حيث إنّ العقل مستقلّ بأولويّة تحصيل الواقع علما
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٤ / ٧١.