آخره ) (١) وهذا الّذي أفاده قدسسره هو الحقّ الّذي لا محيص عنه ، ولازم بعض أفاضل العصر ممّا تقدّم من كلامه في المناقشة في تقديم المرجّح من حيث الدّلالة على المرجّح من حيث جهة الصّدور خلاف ما ذكرنا ، لكنّه بمعزل عن التّحقيق.
وأمّا الكلام في المقام الثّاني : وهو تقديم المرجّح من حيث الصّدور على المرجّح من حيث المضمون ، أو تأخيره عنه. فقد اختار في « الكتاب » تقديم المرجّح من حيث المضمون ؛ من حيث إنّ التّرجيح بحسب الصّدور إنّما هو من حيث كون الرّاجح صدورا أقرب إلى حكم الله الواقعي ، كما هو الشّأن بالنّسبة إلى العمل بالخبر الصّادر يقينا عن الحجّة ؛ فإنّه من حيث كونه طريقا إلى الواقع حقيقة وكاشفا عنه ؛ ضرورة كون وجوب إطاعة ولي الله في أحكامه من حيث كونها إطاعة الله تبارك وتعالى لا من حيث ذاتها.
ومن هنا لا يترتّب ثواب آخر على إطاعته ولا عقاب آخر على معصيته ، فإذا كان الوجه في التّرجيح من حيث الصّدور كون الرّاجح أقرب إلى الواقع نوعا من المرجوح ، فلا يزاحم القرب الشّخصي الحاصل للمرجوح بالنّسبة إلى الواقع من جهة الأمارة الكاشفة عنه ، وإليه يرجع ما أفاده في « الكتاب » في تقريب ذلك بقوله : ( لأنّ رجحان السّند إنّما اعتبر لتحصيل الأقرب إلى الواقع ... إلى آخره ) (٢).
هذا كلّه فيما لم يوجب الأمارة الخارجيّة سقوط المرجوح عن الحجّيّة لو لا المعارض ، وإلاّ خرج الأخذ بالرّاجح عن عنوان التّرجيح كما هو ظاهر. وهذا
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٤ / ١٣٨.
(٢) نفس المصدر : ج ٤ / ١٤٥.