فيه : أنّ المستفاد منها قاعدة كلّية وأنّ المرجّحات المنصوصة لا خصوصيّة لها ولا ريب في ظهورها في المعنى الأوّل القاضي باعتبار الظّن ، ففي صورة عدم الظّن لا ترجيح ، وإن كان الرّاجح أقرب إلى الواقع وأبعد عن الخطأ عند الدّوران بين كذب أحدهما عملا بالأصل القاضي بالاقتصار على القدر المتيقّن بعد عدم نهوض الأدلّة بالعموم.
إذ من الواضح أنّ الغرض من إعمال المرجّحات هنا هو استكشاف الواقع دون التّعبّد الصّرف المبني على الموضوعيّة كالمرجّحات المرعيّة في أئمّة الجماعة ، أو القاضي ، أو الشّاهد مثل الحرّيّة ، أو الهاشميّة ، وأمثالهما وسيأتي في بعض المرجّحات الخارجيّة كمخالفة العامّة التّصريح بعدم ابتنائه على صرف التّعبّد » (١). انتهى ما أردنا نقله وقد أطال في النّقض والإبرام سؤالا وجوابا بما يطول المقام بذكره من أراده راجع إلى ما أعمله في المسألة.
ويتوجّه عليه : بأنّ الإجماعات المنقولة وإن لم يساعد على التّعميم ، ولم نقل : بأنّ الإجماع على وجوب الأخذ بأقوى الدّليلين يقضي بوجوب الأخذ بكلّ ما يكون أقرب بالنّسبة إلى صاحبه وإن لم يفد الظّن بالواقع في نفسه ، إلاّ أنّ التّعليلات المذكورة في الأخبار العلاجيّة ـ على ما أشبعنا القول فيه ـ يقضي بالتّعميم جدّا. وأين هذا من التّعبّد الصّرف الآبي عنه أخبار العلاج نظير مرجّحات أئمّة الجماعة والقاضي؟ فإنّ اعتبار القرب الإضافي ينافي التّعبّد قطعا. وقد عرفت انطباق التّعليل في تقديم مخالف القوم على الضّابط المذكور ، ولعلّنا نتكلّم فيه بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) بدائع الأفكار : ٤٣٨.