لا يقال : قد يتحقّق لأحدهما مرجّح من حيث المتن أو القرائن الخارجيّة فكيف يصحّ نفيهما؟
لأنّا نقول : لا يصلح تلك المرجّحات للتّرجيح مع إمكان الجمع بحمل الظّاهر على الصّريح ، مثلا إذا تعارض العامّ والخاصّ وكان الأوّل أقوى سندا فقوّة سنده لا تصلح مرجّحا لتقديمه على الخاصّ ؛ لضعف دلالة الأوّل وقوّة دلالة الثّاني فتقديمه عليه ترجيح من غير مرجّح. ولا يذهب عليك أنّ هذا التّعليل قاصر عن إفادة المقصود ؛ لأنّه إنّما يقضي ببطلان تعيين أحدهما للحجيّة وهو غير متعيّن على تقدير ترك الجميع لإمكان ترجيحهما معا أو البناء على التّخيير » (١). انتهى كلامه.
وهو كما ترى ، مبنيّ على حمل كلام المستدلّ على صورة وجود الشّاهد الدّاخلي للجمع سواء كان بنصوصيّة أحدهما أو قوّة في دلالته فيخرج عن مسألة التّعارض في بعض الصّور ، بل جميعها في وجه ستقف عليه ، فيتوجّه عليه السّؤال الّذي أشار إليه بقوله : ( لا يقال ) وما نبّه عليه بقوله : ( ولا يذهب عليك ). فالأولى في توجيه هذا الوجه التّشبّث بالوجه الأوّل المذكور في كلام بعض أفاضل مقاربي عصرنا (٢).
ثمّ إنّ المذكور في كلام بعض فضلاء العصر : كون الأصل في المسألة عدم الجمع وبطلانه فيلزم على مدّعيه إقامة الدّليل عليه سواء على القول بالطّريقيّة في المتعارضين أو السّببيّة ؛ فإنّ لازم الأوّل : تساقطهما فلا يجوز الأخذ بواحد منهما
__________________
(١) مناهج الأحكام في الاصول ، المنهج الثاني من الخاتمة في التعادل والترجيح ص ٣١٥.
(٢) صاحب الفصول فيما مرّ من كلام له في المقام.