كان الأوّل أظهر. والمراد منه : أنّ بعد تساوي المتعارضين فيما هو المعتبر في حجيّتهما الذّاتيّة ككونهما خبر واحد عدل مثلا فلا بدّ من الالتزام بشمول الدّليل لهما من غير فرق ؛ إذ لو قيل بشمول الدّليل لأحدهما دون الآخر بعد فرض تساويهما بالنّظر إليه لزم التّرجيح من غير مرجّح ، والمراد من الأصل في كلامه : القاعدة ، أو الظّاهر المستفاد من دليل اعتبار المتعارضين ، وحاصله : جعل نسبة دليل الاعتبار بالنّسبة إلى المتعارضين كنسبته بالنّسبة إلى الأفراد الغير المتعارضة من حيث الحكم بالشّمول الذّاتي والشّأني.
فإن شئت قلت : على تقدير الطّرح : إمّا أن نقول بعدم شمول دليل الاعتبار للمطروح مع كونه مساويا للمأخوذ في شرائط العمل والحجيّة ، وإمّا أن نقول بوجود المقتضي للعمل فيهما ، إلاّ أنّ التّعارض مانع له فيجب رفع اليد عن العمل بأحدهما لعدم إمكان العمل بهما والأوّل ترجيح بلا مرجّح ، والثّاني لا يصلح مانعا بعد إمكان التّأويل والعمل بهما في الجملة ولو بالحمل على إرادة خلاف الظّاهر ، ولعلّه راجع إلى تحكيم دليل الصّدور على دليل الظّاهر على ما أسمعناك سابقا إجمالا وسنتكلّم فيه تفصيلا.
وقال في « المناهج » :
« قوله : ( لاستحالة التّرجيح من غير مرجّح ) (١) يريد به أنّا إن عملنا بأحد المتعارضين وطرحنا الآخر مع إمكان الجمع لزم التّرجيح من غير مرجّح ؛ إذ ليس طرح أحدهما والعمل بالآخر أولى من العكس.
__________________
(١) تمهيد القواعد : ٢٧٧.