وقد روى ذلك ابن الأثير في الكامل (١) والأعثم الكوفي في الفتوح (٢) مطابقا لما حكاه ابن أبي الحديد ، وزاد (٣) الأعثم : إنهم دفنوه بعد ما ذهب الكلاب بإحدى رجليه ، وقال : صلى عليه حكيم بن حزام أو جبير بن مطعم (٤).
ولا يخفى على ذي مسكة من العقل دلالته على أن أمير المؤمنين عليهالسلام كان راضيا بكونه مطروحا ثلاثة أيام على المزبلة ، بل على أنه لم يأذن في دفنه إلا بعد الأيام الثلاثة ، فلو كان أمير المؤمنين عليهالسلام معتقدا لصحة إمامته ، بل لو كان يراه كأحد من المسلمين ومن عرض (٥) الناس لما رضي بذلك بل كان يعجل في تجهيزه ودفنه ، ويأمر بدفنه (٦) في مقابر المسلمين حتى لا يلتجئ المجهزون له إلى دفنه في حش كوكب.
والحش هو المخرج (٧) ، وكان ذلك الموضع بستانا كان الناس يقضون الحوائج فيه كما هو دأبهم في قضاء الحاجة في البساتين ، وكوكب اسم رجل من الأنصار ، كما ذكره في الإستيعاب (٨).
والإمام الذي رضي له أمير المؤمنين عليهالسلام بمثل تلك الحال فحاله غير خفي على أولي الألباب ، ولا ريب في أنه لو لم يكن عليهالسلام راضيا بقتله لجاهد قاتليه ، فإنه ليس في المنكرات أشنع وأقبح من قتل إمام فرض الله طاعته على
__________________
(١) الكامل ٣ ـ ٩١.
(٢) تاريخ ابن أعثم ( الفتوح ) ١ ـ ٤٣٠. ولا توجد في ( س ) : والأعثم الكوفي في الفتوح.
(٣) نقل ابن الأعثم إلى هنا بالمعنى وبتصرف.
(٤) وقد تعرض العلامة الأميني في الغدير ٩ ـ ٢٠٨ ـ ٢١٧ لتجهيزه ودفنه ، وذيله بما هو حري بالملاحظة.
(٥) في ( س ) : عوض. قال في القاموس ٢ ـ ٣٣٥ : وهو من عرض الناس .. من العامة.
(٦) في ( س ) : دفنه ـ بلا حرف جر ـ.
(٧) كما في الصحاح ٣ ـ ١٠٠١ ، وقال في النهاية ١ ـ ٣٩٠ : وفيه : أن هذه الحشوش محتضرة .. يعني الكنف ومواضع قضاء الحاجة ، الواحد حش ـ بالفتح ـ وأصله من الحش : البستان ، لأنهم كانوا كثيرا ما يتغوطون في البساتين.
(٨) الاستيعاب ٣ ـ ٨١. وجاء في النهاية ٤ ـ ٢٩٠.