إنما أنت خازن لنا فما حملك على ما فعلت؟. فقال ابن الأرقم : كنت أراني (١) خازنا للمسلمين وإنما خازنك غلامك ، والله لا ألي لك بيت المال أبدا ، وجاء (٢) بالمفاتيح فعلقها على المنبر ، ويقال : بل ألقاها إلى عثمان ، فدفعها عثمان إلى نائل مولاه (٣).
وروى الواقدي أن عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت المال إلى عبد الله بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلاثمائة ألف درهم ، فلما دخل بها عليه قال له : يا أبا محمد! إن أمير المؤمنين أرسل إليك يقول لك (٤) : إنا قد شغلناك عن التجارة ولك ذو رحم أهل حاجة ، ففرق هذا المال فيهم ، واستعن به على عيالك. فقال عبد الله بن الأرقم : ما لي إليه حاجة وما عملت لأن يثيبني عثمان؟ والله لئن كان هذا من مال المسلمين ما بلغ قدر عملي أن أعطى ثلاثمائة ألف درهم ، ولئن كان من مال عثمان ما أحب أن أزرأ (٥) من ماله شيئا (٦).
__________________
(١) في مطبوع البحار : أواني ، وهو غلط.
(٢) في المصدر : فجاء.
(٣) وقد أورد البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٥٨ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ١ ـ ٦٧ قصة أخرى شبيهة بهذا ، فلاحظ ، ونظيره في تاريخ اليعقوبي ٢ ـ ١٤٥.
أقول : قال البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٣٠ : لما قدم الوليد الكوفة ألفى ابن مسعود على بيت المال ، فاستقرضه مالا .. ـ وقد كانت الولاة تفعل ذلك ثم ترد ما تأخذ ـ .. فأقرضه عبد الله ما سأله ، ثم إنه اقتضاه إياه ، فكتب الوليد في ذلك إلى عثمان ، فكتب عثمان إلى عبد الله بن مسعود :
إنما أنت خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال ، فطرح ابن مسعود المفاتيح وقال : كنت أظن أني خازن للمسلمين ، فأما إذ كنت خازنا لكم فلا حاجة لي في ذلك ، وأقام بالكوفة بعد إلقائه مفاتيح بيت المال.
(٤) لا توجد في ( س ) : لك.
(٥) في ( ك ) : إزراءه ، وفي الشافي : أرزأه ، ويحتمل أن تكون : أرزأ بمعنى أصيب ، وقد يكون : أزر فعل المتكلم وحده ـ من الوزر ، والإزراء من الزري ، قال في القاموس ٤ ـ ٣٣٨ : زرى عليه زريا : عابه وعاتبه ، كأزرى ـ لكنه قليل ـ وتزرى ، وأزرى بأخيه : أدخل عليه عيبا أو أمرا يريد أن يلبس عليه به.
(٦) إلى هنا ما ذكره السيد في الشافي.