فقال الإمام عليهالسلام : ما تقول يا أسقف؟. قال : يا فتى أنتم تقولون : إن الجنة عرضها السماوات والأرض ، فأين تكون النار؟. قال له الإمام عليهالسلام : إذا جاء الليل أين يكون النهار؟. فقال له الأسقف : من أنت يا فتى؟ دعني حتى أسأل هذا الفظ الغليظ ، أنبئني يا عمر عن أرض طلعت عليها الشمس ساعة ولم تطلع مرة أخرى؟. قال عمر : أعفني عن هذا ، واسأل علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ثم قال : أخبره يا أبا الحسن! ، فقال علي عليهالسلام : هي أرض البحر الذي فلقه الله تعالى لموسى حتى عبر هو وجنوده ، فوقعت الشمس عليها تلك الساعة ولم تطلع عليها قبل ولا بعد ، وانطبق البحر على فرعون وجنوده.
فقال الأسقف : صدقت يا فتى قومه وسيد عشيرته ، أخبرني عن شيء هو في أهل الدنيا ، تأخذ الناس منه مهما أخذوا فلا ينقص بل يزداد؟. قال عليهالسلام : هو القرآن والعلوم.
فقال : صدقت. أخبرني عن أول رسول أرسله الله تعالى لا من الجن ولا من الإنس؟. فقال عليهالسلام : ذلك الغراب الذي بعثه الله تعالى لما قتل قابيل أخاه هابيل ، فبقي متحيرا لا يعلم ما يصنع به ، فعند ذلك بعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه.
قال : صدقت يا فتى ، فقد بقي لي مسألة واحدة ؛ أريد أن يخبرني عنها هذا وأومأ بيده الى عمر فقال له : يا عمر! أخبرني أين هو الله؟. قال : فغضب عند ذلك عمر وأمسك ولم يرد جوابا.
قال : فالتفت الإمام علي عليهالسلام وقال : لا تغضب يا أبا حفص حتى لا يقول : إنك قد عجزت ، فقال : فأخبره أنت يا أبا الحسن ، فعند ذلك قال الإمام عليهالسلام : كنت يوما عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ أقبل إليه ملك فسلم عليه فرد عليهالسلام ، فقال له : أين كنت؟. قال : عند ربي فوق سبع سماوات.
قال : ثم أقبل ملك آخر فقال : أين كنت؟. قال : عند ربي في تخوم الأرض السابعة السفلى ، ثم أقبل ملك آخر ثالث فقال له : أين كنت؟. قال : عند ربي في مطلع الشمس ، ثم جاء ملك آخر فقال : أين كنت؟. قال : كنت عند ربي في مغرب الشمس ، لأن الله لا يخلو منه مكان ، ولا هو في شيء ، ولا على شيء ، ولا من شيء ، وسع كرسيه السماوات والأرض ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، يعلم ما في السماوات وما في الأرض ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا.
قال : فلما سمع الأسقف قوله ، قال له : مد يدك فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأنك خليفة الله في أرضه ووصي رسوله ، وأن هذا الجالس الغليظ الكفل المحبنطئ ليس هو لهذا المكان بأهل ، وإنما أنت أهله ، فتبسم الإمام عليهالسلام.