وأقول : أنت خبير بأن حديث أَخْذِ الميثاق على العباد في عالم الذر واستنطاقهم فيه مشهور بين الفريقين منقول بطرق عديدة فلا مجال لإنكاره ، إلا أن بعض علماء القوم جد في الهرب عن ظاهره لما يرد عليه من الآية الشريفة ، وذلك لأن قوله تعالى : ( أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) إن كان هذا الإقرار عن ضرورة فلهم أن يقولوا يوم القيامة شهدنا يومئذ ، فلما زال عنا علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا فمنا من أصاب ومنا من أخطأ ، وإن كان عن استدلال مؤيد بعصمة عن الخطإ فلهم أن يقولوا يوم القيامة شهادتنا يومئذ كانت مؤيدة بالعصمة ، فلما زالت منا فمنا من أصاب ومنا من أخطأ ، فيبطل الاحتجاج عليهم. ويمكن الجواب عن ذلك : أما على اعتقاد أن التكليف بالإقرار مطلوب من العباد في كل من العالمين فهو أن نقول : إنا نختار أن الإقرار كان عن ضرورة لبعد احتمال غيره. قولكم لهم : أن يقولوا يوم القيامة شهدنا يومئذ ، فلما زال عنا علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا فمنا من أصاب ومنا من أخطأ. قلنا : غير مسلم أن العباد وكلوا إلى آرائهم في التكليف ، وإنما هو عن علم ضروري أيضا لكنه مشروط بمقدمات نظرية مقدورة مأمور بها ، فمن ساعده جده وتوفيقه وصل إلى ذلك العلم الضروري وارتفع الاحتجاج عليهم ، ومن قصر عن تحصيل تلك المقدمات حرم علم الضرورة وقامت الحجة عليهم يوم القيامة. وأما على اعتقاد أن التكليف بالإقرار إنما هو في العالم الأول وبه تقوم الحجة على العباد دون الثاني وإنما وقع التكليف الثاني مؤكدا وكاشفا عنه ، كما يشهد له بعض الأخبار فالحجة على العباد قائمة بلا تكلف. وبذلك يندفع المحظور الموجب لصرف كل من الآية والحديث عن الظاهر منهما. والله أعلم. قوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ) [ ٥ / ٥١ ] قال المفسر : الاتِّخَاذُ الاعتماد على الشيء