قال الشيخ أبو علي : وفيه دلالة على أنه واجب على العلماء أن يبينوا الحق للناس ولا يكتمون شيئا منه لغرض فاسد من جر منفعة أو لبخل في العلم أو تطيب نفس ظالم أو غير ذلك.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام « مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى الْجُهَّالِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا » (١).
قوله : ( فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) [ ٨ / ٥٨ ] معناه إذا هادنت قوما فعلمت منهم النقض للعهد فكذا. وفي التفسير : اطرح العهد عليهم على سواء. قوله : ( إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها ) [ ١٩ / ١٦ ] أي اعتزلهم بمعزل بعيد عن القوم. والمُنَابَذَةُ : المكاشفة. ومنه « نَابِذَهٌ في الحرب » أي كاشفه. ونَابَذْتُهُمُ الحربَ : كاشفتهم إياها وجاهرتهم بها. ومنه الْخَبَرُ « فَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاءٍ ».
أي كاشفناكم وقابلناكم على سواء أي على طريق مستقيم في العلم بالمنابذة منا ومنكم. ومنه الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُ « نَابَذَنِي مَنْ أَذَلَّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنَ ».
والنَّبِيذُ : ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك ، يقال نَبَذْتُ التمرَ والعنبَ : إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا ، فصرف من مفعول إلى فعيل.
وَفِي الْحَدِيثِ « أَصْلُ النَّبِيذِ حَلَالٌ وَأَصْلُ الْخَمْرِ حَرَامٌ ».
كأنه أراد بالأصل الأول العنب وهو حلال وبالأصل الثاني النَّبِيذُ وهو حرام. وانْتَبَذْتُهُ : اتخذته نبيذا سواء كان مسكرا أو غير مسكر ، ويقال للخمر المعتصر من العنب نَبِيذٌ كما يقال لِلنَّبِيذِ خمر ـ كذا ذكره بعض شراح الحديث. وفِيهِ « أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ ».
وليس هو مسكر كما توهمه ظاهر العبارة وإنما هو ماء مالح قد نُبِذَ به
__________________
(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢٦٦.