طلبها والعمل لها.
وَالْمَرْوِيُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَرَى أَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ ( يا حَسْرَتَنا ).
قوله : يَسْتَحْسِرُونَ [ ٢١ / ١٩ ] أي لا يتعبون ولا يفترون ولا يجعل لهم إعياء ، من قولهم حَسَرَ كضرب يَحْسِرُ حُسُوراً : إذا أعيا وكل وانقطع. قوله : ( فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) [ ١٧ / ٢٩ ] أي تلام على إتلاف مالك ومحسورا منقطعا عن النفقة ، بمنزلة الجمل الحَسِيرِ الذي حَسَرَهُ السفر أي ذهب بلحمه وقوته فلا انبعاث به
وَفِي الْحَدِيثِ « الإِحْسَارُ الْفَاقَةُ ».
وقيل المَحْسُورُ ذو الحسرة على ذهاب ماله. قوله : ( كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) [ ٢ / ١٦٧ ]
قِيلَ هُوَ الرَّجُلُ يَدَعُ مَالَهُ لَا يُنْفِقُهُ فِي طَاعَةِ اللهِ بُخْلاً ثُمَّ يَمُوتُ فَيَدَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى أَوْ مَعْصِيَتِهِ ، فَإِنْ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللهِ رَآهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ فَرَآهُ حَسْرَةً وَقَدْ كَانَ الْمَالُ لَهُ ، وَإِنْ عَمِلَ بِهِ فِي مَعْصِيَتِهِ فَقَدْ قَوَّاهُ بِذَلِكَ الْمَالِ حَتَّى عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللهِ.
والحَسْرَةُ : هي أشد الندامة والاغتمام على ما فات ، ولا يمكن ارتجاعه. ومنه قوله تعالى : ( يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ) [ ٦ / ٣١ ]. قوله : ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) [ ١٩ / ٣٩ ] الآية.
قَالَ : يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَيَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ الْمَوْتَ فِي صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ؟ فَيَقُولُونَ : لَا. فَيُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُنَادُونَ جَمِيعاً : أَشْرِفُوا وَانْظُرُوا إِلَى الْمَوْتِ ، فَيُشْرِفُونَ وَيَنْظُرُونَ ثُمَّ يَأْمُرُ اللهُ بِهِ فَيُذْبَحُ ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ أَبَداً وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ أَبَداً (١). وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « يَا لَهَا
__________________
(١) هذا التّفسير مرويّ عن أبي عبد الله الصّادق عليه السلام كما في تفسير عليّ بن إبراهيم صلى الله عليه وآله ٤١١.