أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي إِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ مِنَ الْيَهُودِ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أُخْرِجَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، فَجَلَوْا إِلَى الشَّامِ إِلَى أَرِيحَا وَأَذْرِعَاتٍ ، وَهَذَا أَوَّلُ حَشْرِهِمْ وَآخِرُ حَشْرِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لِأَنَ الْمَحْشَرَ يَكُونُ بِالشَّامِ (١).
قوله : ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ ) [ ٢٧ / ١٧ ] الآية. أي جمع له ذلك ، فكان إذا خرج إلى مجلسه عكف عليه الطير وقام الجن والإنس حتى يجلس على السرير ، وكان لا يسمع بملك في ناحية الأرض إلا أذله وأدخله في دين الإسلام.
وَكَانَ عَسْكَرُ سُلَيْمَانَ فِيمَا نُقِلَ مِائَةَ فَرْسَخٍ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الْإِنْسِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الْجِنِّ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الطَّيْرِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الْوَحْشِ.
وَيُرْوَى أَنَّهُ أُخْرِجَ مَعَ سُلَيْمَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ كُرْسِيٍّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَأَمَرَ الطَّيْرَ أَظَلَّتْهُمْ وَأَمَرَ الرِّيحَ فَحَمَلَتْهُمْ حَتَّى وَرَدَتْ بِهِمْ مَدَائِنَ كِسْرَى ، ثُمَّ رَجَعَ فَبَاتَ فِي فَارِسَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : هَلْ رَأَيْتُمْ مُلْكاً أَعْظَمَ مِنْ هَذَا أَوْ سَمِعْتُمْ. قَالُوا : لَا ، فَنَادَى مَلَكٌ فِي السَّمَاءِ تَسْبِيحَةٌ فِي اللهِ أَعْظَمُ مِمَّا رَأَيْتُمْ.
قوله : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) [ ٨١ / ٥ ] أي جمعت. قوله : ( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ) إلى قوله ( ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) [ ٦ / ٣٨ ] اختلف أهل العلم في حَشْرِ البهائم والوحش والطير ، فقيل حَشْرُ كل شيء الموت غير الجن والإنس فإنهما يوافيان القيامة ، وإليه ذهب أبو الحسن الأشعري لأنها غير مكلفة ، وما ورد من الأخبار فعلى سبيل المثل والإخبار على شدة التفصي في الحساب ، وأنه لا بد أن يقتص للمظلوم من الظالم قال والجمهور منهم الجميع يحشرون ويبعثون حتى الذباب ويقتص بعضها من بعض ، فيقتص للجماء من القرناء مع احتمال أنها تعقل هذا القدر في دار الدنيا ، وهذا جار على مقتضى العقل والنقل لأن
__________________
(١) انظر مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٢٥٦.