وَ « اجْهَدْ أَنْ تَبُولَ ».
أي لك الجهد في ذلك. وقَوْلُهُ « مِنْ غَيْرِ أَنْ تُجْهِدَ نَفْسَكَ ».
أي من غير مبالغة ومشقة فيما تفعل.
وَفِي الْحَدِيثِ « أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدُ الْمُقِلِّ ».
أي ما بلغه وسعه ، وربما عورض بِقَوْلِهِ عليه السلام « خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَتْ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ».
يعني ما فضل عن العيال ، وقد يقال المراد بالغنى سخاوة النفس وقوة العزيمة ثقة بالله ، كما رُوِيَ « أَنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ».
يدل على ذلك قَوْلُهُ « يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُهُ وَيُقَالُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ ».
أي يأخذ ببطن يده ، وهو كناية عن التصدي للسؤال فكره له ذلك. وفِيهِ « أَفْضَلُ الْجِهَادِ جِهَادُ النَّفْسِ ».
وهو قهرها وبعثها على ملازمة الطاعات ومجانبة المنهيات. ومراقبتها على مرور الأوقات ، ومحاسبتها على ما ربحته وخسرته في دار المعاملة من السعادات ، وكسر قوتها البهيمية والسبعية بالرياضات ، كما قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ). قال بعض الأفاضل في قَوْلِهِ عليه السلام « أَفْضَلُ الْجِهَادِ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ ».
قد يظن أن فيه دلالة على عدم تجرد النفس ، والحق أنه لا دلالة فيه على ذلك بل هو كناية عن كمال القرب ، فإن تجرد النفس مما لا ينبغي أن يرتاب فيه .. إلى أن قال : ويمكن أن يراد بالنفس هنا القوى الحيوانية من الشهوة والغضب وأمثالهما ، وإطلاق النفس على هذه القوى شائع. ثم حكى كلام الغزالي تطلق النفس على الجامع للصفات المذمومة أي القوى الحيوانية المضادة للقوى العقلية وهو المفهوم عند إطلاق الصوفية وإليه الإشارة بِقَوْلِهِ عليه السلام « أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ ».
ويتم البحث في نفس إن شاء الله. واجْتَهَدَ يمينه : أي بذل وسعه في اليمين وبالغ فيها. والِاجْتِهَادُ : المبالغة في الجهد ، ونقل في الاصطلاح إلى استفراغ الوسع فيما فيه مشقة لتحصل ظن شرعي.