الشرع مختص بكل أمر مخفي سببه ويتخيل على غير حقيقة ويجري مجرى التمويه والخداع ، قال الله تعالى : ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى ) وإذا أطلق ذم فاعله. وقد يستعمل مقيدا فيما يمدح فاعله ويحمد
كَقَوْلِهِ عليه السلام « إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً ».
أي بعض البيان سحر لأن صاحبه يوضح الشيء المشكل بحسن بيانه فيستميل القلوب كما تستمال بالسحر. وفي المصباح اختلف في قَوْلِهِ « إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً وَمِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً » (١).
في أنه مدح أو ذم ، فمعناه على الذم أنه يصرف ببيانه قلوب السامعين إلى قبول قوله ولو باطلا ويتكلف بزيادة ما لا يعني ويخلط بالتلبيس ويذهب بغير الحق ، وعلى المدح أنه يختار الألفاظ ويحسن الكلام ، ويمكن أن يكون ردا على من زعم أن الشعر كله مذموم والبيان كله حسن ، فقيل إن بعض البيان كالسحر في البطلان وبعض الشعر كالحكمة في الحقيقة ، قيل والحق أن الكلام ذو وجهين يختلف بحسب المقاصد.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام مَعَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ « وَمَلَأَ سُحْرَاكُمَا ».
بالضم أي أجوافكما. والسَّحْرُ كفلس وبرد الرئة والجمع سُحُور وأَسْحَار. وقد يقال سَحَرَ كنهر لمكان حرف الحلق ، ولعل منه حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ مَعَ يَزِيدَ فِي تَعْنِيفِهِ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ عليه السلام « يَا عَدُوَّ اللهِ قَدْ قَتَلْتَ رَجُلاً كَانَ رَسُولُ اللهِ يُقَبِّلُ بَيْنَ سَحْرِهِ وَنَحْرِهِ وَيَقُولُ : إِنِّي لَأَشَمُّ رَائِحَةَ جَنَّةِ عَدْنٍ ».
وانتفخ سَحْرُهُ ومَسَاحِرُهُ : عدا طوره وجاوز قدره. وانقطع منه سَحْرِي : يئست منه.
( سخر )
قوله تعالى : ( سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ ) [ ١٤ / ٣٢ ] أي ذلل لكم السفن. والتَّسْخِيرُ : التذليل ، ومنه « سَخَّرَ اللهُ الإِبِلَ » أي ذللها وسهلها. ومنه ( سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ) [ ٤٣ / ١٣ ].
__________________
(١) سفينة البحار ج ١ صلى الله عليه وآله ٧٠٣.