ومنه « سَأَلْتُهُ عَنِ الصِّيَامِ بِمَكَّةَ وَنَحْنُ سَفْرٌ ». أي مسافرون.
وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهَا ـ يَعْنِي الدُّنْيَا كَسَفْرٍ سَلَكُوا سَبِيلاً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوهُ ، وَأَمُّوا عَلَماً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوهُ ، وَكَمْ عَسَى الْمُجْري إِلَى الْغَايَةِ أَنْ يَجْرِيَ إِلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا ، وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ مَنْ لَهُ يَوْمٌ لَا يَعْدُوهُ ، وَطَالِبُ حَثِيثٌ فِي الدُّنْيَا يَحْدُوهُ » (١).
قال الشارح المحقق ميثم : السَّفْرُ المسافرون ، وفائدة كان في الموضعين تقريب الأحوال المستقبلة من الأحوال الواقعة ، وكم عسى وما عسى استفهام تحقير لما يرجى من البقاء في الدنيا ، وكنى بالطالب الحثيث عن الموت ، واستعار وصف الحدو لما يتوهم من سوق أسباب الموت إليه. وسَفَرْتُ الشيءَ سَفْراً من باب ضرب : كشفته ، ومنه « أَسْفَرَتِ المرأةُ عن وجهها » فهي سَافِرٌ بغير هاء. ومنه حَدِيثُ الْمَرْأَةِ « وَإِذَا كَشَفَتْ عَنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَسْفَرَتْ فَهُوَ أَفْضَلُ ».
والسُّفْرَة بالضم : طعام يصنع للمسافر والجمع سُفَر كغرفة وغرف ، وسمي الجلدة التي يوضع فيها الطعام سُفْرَة مجازا. والسَّفَرُ بالتحريك : قطع المسافة ، والجمع الأَسْفَار. والسِّفْرُ : الكتاب ، وجمعه أَسْفَار. ومِنْهُ « قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله سِفْراً سِفْراً ».
كأنه قال : قرأت عليه كتابا كتابا ، أي سورة سورة لأن كل سورة ككتاب أو قطعة قطعة. وأَسْفَارُ التوراة جاءت في الحديث كأنها بمنزلة أجزاء القرآن ، وهي ـ على ما قيل ـ خمسة أَسْفَار : السِّفْرُ الأول يذكر فيه بدء الخلق والتأريخ من آدم عليه السلام إلى يوسف ، السِّفْرُ الثاني استخدام المصريين لبني إسرائيل وظهور موسى عليه السلام وهلاك فرعون وإمامة هارون عليه السلام ونزول الكلمات العشر ، السِّفْرُ الثالث يذكر فيه تعليمه القوانين بالإجمال السِّفْرُ الرابع يذكر فيه عدد القوم وتقسيم الأرض عليهم وأحوال الرسل التي بعثها
__________________
(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ١٩٢.