يجلب لهم نفعا ويدفع عنهم ضررا إذا عملوا بموجبه ، فكأنهم أشركوه مع الله ، ولكن الله يذهبه بالتوكل وليست الكفر بالله ، ولو كانت كفرا لما ذهبت بالتوكل ومعناه كما قيل إنه إذا خطر له عارض الطِّيَرَة فتوكل على الله وسلم أمره إليه لم يعمل به ذلك الخاطر. وفِيهِ « الطِّيَرَةُ عَلَى مَا تَجْعَلُهَا إِنْ هَوَّنْتَهَا تَهَوَّنَتْ وَإِنْ شَدَّدْتَهَا تَشَدَّدَتْ وَإِنْ لَمْ تَجْعَلْهَا شَيْئاً لَمْ تَكُنْ شَيْئاً ».
وأصل الطِّيَرَة التشاؤم بالطير ، ثم اتسع فيها فوضعت موضع الشؤم ، فيكون الشؤم بمعنى الكراهة شرعا أو طبعا كعدم القرار على الفرس وضيق الدار. ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « لَا طِيَرَةَ فَإِنْ تَكُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ ».
والطَّيْرُ جمع طَائِر مثل صاحب وصحب ، وجمع الطَّيْر طُيُور وأَطْيَار مثل فرخ وأفراخ. وفي المصباح قال أبو عبيدة وقطرب : ويقع الطَّيْرُ على الواحد والجمع وقال ابن الأنباري الطَّيْرُ جماعة وتأنيثها أكثر من التذكير ، ولا يقال للواحد طير بل طَائِر ، وقد يقال للأنثى طَائِرَة. و « الطَّيَرَانُ » محركة : حركة ذي الجناح في الهواء بجناحيه كالطير.
وَفِي وَصْفِهِ صلى الله عليه وآله « إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ » (١).
معناه أنهم كانوا لإجلالهم نبيهم عليه السلام لا يتحركون فكانت صفتهم صفة من على رأسه طائر يريد أن يصيده وهو يخاف أن تحرك طار وذهب. وقال الجوهري : أصله أن الغراب يقع على رأس البعير فيلقط الحلمة والحمنانة فلا يحرك البعير رأسه لئلا ينفر عنه الغراب.
وَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله « رَأَيْتُ جَعْفَراً يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ ».
يريد به جعفر بن أبي طالب أخا علي عليه السلام ، وكان جعفر قد أصيب بمؤتة من أرض الشام وهو أمير بيده راية الإسلام بعد زيد بن حارثة ، فقاتل في الله حتى قطعت يداه أو رجلاه ،
__________________
(١) مكارم الأخلاق صلى الله عليه وآله ١٣.