أغلظ من الجميع وهو سخط الله عليهم وإهانتهم ، وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة مما هو أكبر منها وهو رضوان الله وإكرامه وتبجيله ، فهو المراد بالاستثناء. وقيل المراد بالاستثناء من الذين شقوا وخلودهم من شاء الله أن يخرجه من النار بتوحيده وإيمانه لإيصال الثواب الذي استحقوه بطاعتهم إليهم ، فيكون « ما » بمعنى من ، والمراد بالاستثناء من الذين سعدوا وخلودهم في الجنة أيضا هؤلاء الذين ينقلون إلى الجنة من النار ، والمعنى خالدين فيها إلا ما شاء ربك من الوقت الذي أدخلهم فيه النار قبل أن ينقلهم إلى الجنة ، فما هاهنا على بابه والاستثناء الثاني من الزمان والأول في الأعيان انتهى (١)وأنت خبير بأن الآيات الدالة على عقاب العصاة وخلودهم في النار المراد به المكث الطويل ، واستعماله بهذا المعنى. قوله : ( أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ ) [ ٧ / ١٧٦ ] أي مال وركن إلى الدنيا وشهواتها ( وَاتَّبَعَ هَواهُ ) في إيثار الدنيا. قوله : ( وَهُمْ فِيها خالِدُونَ ) [ ٢ / ٢٥ ] أي باقون. قوله : ( وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ) [ ٥٦ / ١٧ ] أي مبقون ولدانا لا يهرمون ولا يتغيرون قوله : ( يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ ) [ ١٠٤ / ٣ ] من الخُلُودِ ، وهو دوام البقاء يقال خَلَدَ الرجل يَخْلُدُ خُلُوداً ، وأَخْلَدَهُ اللهُ وخَلَّدَهُ تَخْلِيداً. وأَخْلَدَ بالمكان : أقام به ، وخَلَدَ أيضا وبابه قعد. ومنه ( جَنَّةُ الْخُلْدِ ) أي دار الإقامة. والخَلَدُ بالتحريك : البال ، يقال وقع ذلك في خَلَدِي أي في روعي وقلبي. والمُخَلَّدُ إلى الشيء : المستند إليه. وأَخْلَدَ إلى الدنيا : ركن إليها ولزمها. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام فِي ذَمِّ الدُّنْيَا « مَنْ دَانَ لَهَا وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إِلَيْهَا فَكَذَا » (٢).
و « مَخْلَدٌ » وزان جعفر من أسماء
__________________
(١) مجمع البيان ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٦٤ ـ ١٦٥.
(٢) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٢١٨.