حَقَّ عَظَمَتِهِ. وقِيلَ لِأَنَّ لِلطَّاعَاتِ فِيهَا قَدْراً عَظِيماً وَثَوَاباً جَزِيلاً. وقِيلَ سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهُ أُنْزِلَ فِيهَا كِتَابٌ ذُو قَدْرٍ إِلَى رَسُولٍ ذِي قَدْرٍ لِأَجْلِ أُمَّةٍ ذَاتَ قَدْرٍ عَلَى يَدَيْ مَلَكٍ ذِي قَدْرٍ. وقِيلَ لِأَنَّ اللهَ قَدَّرَ فِيهَا إِنْزَالَ الْقُرْآنِ. وقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَضِيقُ فِيهَا بِالْمَلَائِكَةِ مِنْ قَوْلِهِ ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ) وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ ثم قال : واختلفوا في تحقيق استمرارها وعدمه ، فذهب قوم إلى أنها إنما كانت على عهد رسول الله ثم رفعت ، وقال آخرون لم ترفع بل هي إلى يوم القيامة ... إلى أن قال : وجمهور العلماء في أنها في شهر رمضان في كل سنة ـ انتهى. وهذا هو الحق يعلم ذلك من مذهب أهل البيت عليه السلام بالضرورة ، ولا خلاف بين أصحابنا في انحصارها في ليلة تسعة عشر منه ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين إلّا من الشيخ قدسسره فإنّه نقل الإجماع عنه في ( التبيان ) على أنّها في فرادى العشرالأواخر منه. ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) على إمام الزمان فيعرضون عليه كلّ ما قدّر في تلك السنة ، ويسلّمون عليه وعلى أوليائه ( حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) والأخبار مستفيضة بذلك. بقي هنا إشكال ، هو أنّه ربّما تختلف باختلاف الأهلّة المختلفة باختلاف الأقاليم فلا تعرف ، وأجيب عنه بأجوبة ، منها : أن يكون المدار على بلد الإمام في نزول الملائكة والرّوح ، ويكون للآخرين ثواب عبادة ليلة القدر إذا عبدوا اللّيلة الأخرى. ومنها : أن يكون الإمام في كلّ ليلة في إقليم ، وتنزّل الملائكة في الليلتين معا. الثالث : أن يكون الإمام في بلدة ، لكن تنزّل عليه الملائكة في كلّ ليلة بأحوال أصحاب البلد التي تلك الليلة ليلة قدرهم.
وَفِي الْحَدِيثِ سُورَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَأَهْلِ بَيْتِهِ.
والوجه في ذلك أنهم هم المخصوصون بتنزل الملائكة عليهم في ليلة القَدْرِ دون غيرهم ، فنسبت السورة إليهم لذلك. وفِيهِ « هَلَكَ امْرُؤٌ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ » (١).
وذلك لأن من لم يعرف قدره في مظنة أن يتجاوزه. وفِيهِ « الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَنْ لَا يَعْرِفَ قَدْرَهُ » (٢).
حصر العالم فيمن عرف قدره لأن ذلك يستلزم معرفته لنفسه فلا يتجاوز حده ، وفي ذلك تمام العلم ، ويلزمه من ذلك أن من لا يعرف قدره لا يكون عالما لأن سلب اللازم يستلزم سلب الملزوم ، فيكون إذا جاهلا. وقَدَرْتُ على الشيء ـ من باب ضرب ـ : قويت عليه وتمكنت منه. والاسم القُدْرَةُ ، والفاعل قَدِيرٌ وقَادِرٌ والشيء مَقْدُورٌ عليه
وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام مَعَ عَبْدِ اللهِ الدَّيَصَانِيِ وَقَدْ سَأَلَهُ : اللهُ قَادِرٌ
__________________
(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٨٩.
(٢) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٩٧.