تعبدونها اليوم وفي هذه الحال ( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) أي إلهي الذي أعبده اليوم وفي هذه الحال ( وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ ) فيما بعد اليوم ( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) بعد اليوم من الأوقات المستقبلة. قال الزجاج نفى رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه السورة عبادة آلهتهم عن نفسه في الحال وفيما يستقبل (١)
وَفِي الْحَدِيثِ سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْأَحْوَلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ وَتَكْرَارِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ : كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا وَتَكْرَارِهَا أَنَّ قُرَيْشاً أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَقَالُوا : تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً وَتَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً ، فَأَجَابَهُمُ اللهُ بِمِثْلِ مَا قَالُوا فَقَالَ فِيمَا قَالُوا تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) وَفِيمَا قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً ( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) وَفِيمَا قَالُوا تَعْبُدُ آلِهَتَنَا ( وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ ) وَفِيمَا قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً ( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) فَرَجَعَ الْأَحْوَلُ إِلَى أَبِي شَاكِرٍ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو شَاكِرٍ : هَذَا حَمَلَتْهُ الْإِبِلُ مِنَ الْحِجَازِ (٢).
وَفِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ : إِذَا قُلْتَ ( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) فَقُلْ : لَكِنِّي أَعْبُدُ اللهَ ( مُخْلِصاً لَهُ دِينِي ) ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْهَا قُلْ : دِينِيَ الْإِسْلَامُ ثَلَاثاً (٣).
قوله تعالى : ( بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ ) [ ٣٤ / ٤١ ] قال المفسرون : يريدون الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله. قوله : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ ٥١ / ٥٦ ] أي ما خلقتهم إلا لأجل العبادة ولم أرد من جميعهم إلا إياها ، والغرض في خلقهم تعريضهم للثواب ، وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادات.
__________________
(١) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٥٥٢.
(٢) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٥١٦.
(٣) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٥٥١.