باب
أصل النسخ واشتقاقه
اشتقاق النسخ من شيئين .. احدهما يقال نسخت الشمس الظل اذا أزالته وحلّت محله ونظير هذا ( فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ) (١) .. والآخر من نسخت الكتاب اذا أنقلته من نسخته وعلى هذا الناسخ والمنسوخ (٢) .. وأصله أن يكون الشيء حلالا الى مدة ثم ينسخ فيجعل حراما أو يكون حراما فيجعل حلالا أو يكون محظورا فيجعل مباحا أو مباحا فيجعل محظورا يكون في الامر والنهي والحظر والاطلاق والاباحة والمنع.
باب
النسخ على كم يكون من ضرب
أكثر النسخ في كتاب الله تعالى على ما تقدم في الباب الذي قبل هذا أن يزال الحكم بنقل العباد عنه مشتق من نسخت الكتاب ويبقى المنسوخ متلوا. كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا الحسن بن محمد الصباح قال حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد .. ما ننسخ من آية قال نزيل حكمها ونثبت خطها .. ونسخ ثان. كما حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن ديسم (٣) قال حدثنا أبو عمرو الدوري عن الكسائي ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (٤) قال في تلاوته فينسخ الله ما يلقي الشيطان فانه يزيله ولا يتلى ولا يثبت في المصحف [ قال أبو جعفر ] وهذا مشتق من نسخت الشمس الظل .. وقد زعم أبو عبيد ان هذا النسخ الثاني قد كان ينزل على النبي صلىاللهعليهوسلم السورة فترفع فلا تتلى ولا تثبت واحتج أبو عبيد بأحاديث صحيحة السند وخولف أبو عبيد فيما قال والذين خالفوه على قولين .. منهم من قال لا يجوز ما قال ولا يسلب النبي صلىاللهعليهوسلم شيئا من القرآن بعد ما أنزل عليه واحتجوا بقوله تعالى ( وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ) (٥) .. والقول الآخر ان أبا عبيد قد جاء بأحاديث إلا أنه غلط في تأويلها لأن تأويلها
__________________
(١) سورة : الحج ، الآية : ٥٢
(٢) قلت الأول الذي حكاه يتناول معنى الرفع وبه قال ابن سلامة مقتصرا عليه .. قال النسخ في كلام العرب هو الرفع للشيء وجاء الشرع بما تعرف العرب اذ كان الناسخ يرفع حكم المنسوخ فليتأمل.
(٣) قلت هكذا ضبط بالاصل وقد تقدم في باب الترغيب في تعلم الناسخ والمنسوخ بلفظ بن دسيم مكررا فلا أدري أهو هو أم هذا غيره وكلا الاسمين لم أقف له على ذكر فليحرر.
(٤) سورة : الحج ، الآية : ٥٢
(٥) سورة : الإسراء ، الآية : ٨٦