النسخ واحتجوا بآيات من القرآن تأولوها على نسخ القرآن بالسنة ستمر في السور إن شاء الله تعالى .. واحتج من قال لا ينسخ القرآن إلا بقرآن بقوله عز وجل ( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) (١) وبقوله ( قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي ) (٢) .. وأصحاب القول الاول يقولون لم ينسخه من قبل نفسه ولكنه بوحي غير القرآن .. وهكذا سبيل الاحكام إنما تكون من قبل الله عز وجل .. وقد روى الضحاك عن ابن عباس نأت بخير منها أو مثلها نجعل مكانها أنفع لكم منها وأخف عليكم أو مثلها في المنفعة أو ننساها يقول أو نتركها كما هي فلا ننسخها .. واحتج أصحاب القول الثالث في ان السنة لا ينسخها الا سنة لأن السنة هي المبيّنة للقرآن فلا ينسخها والحجة عليهم أن القرآن هو المبين نبوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم والأمر بطاعته فكيف لا ينسخ قوله .. وفي هذا أيضا أشياء قاطعة قال الله تبارك وتعالى ( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ) (٣) فنسخ بهذا ما فارق النبي صلىاللهعليهوسلم المشركين عليه .. ومن هذا أن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن اليهود جاءوا الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا إن رجلا منا وامرأة زنيا فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم قالوا نجلدهم ويفضحون فقال لهم عبد الله بن سلام كذبتم ان فيها الرجم فذهبوا فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل رجل منهم يده على آية الرجم ثم قرأ ما بعدها وما قبلها فقال عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفعها فاذا فيها آية الرجم قالوا صدق يا محمد إن فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرجما قال عبد الله بن عمر فرأيته يجني على المرأة هنها الحجارة .. حكى أهل اللغة انه يقال جنى فلان على فلان اذا أكب عليه (٤) ومنه الحديث أن أبا بكر الصديق رضياللهعنه جنا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد موته وقبل بين عينيه وقال طبت حيا وميتا .. [ قال أبو جعفر ] وهذا من النبي صلىاللهعليهوسلم لا يكون إلا من قبل أن ينزل عليه في الزناة شيء ثم نسخ الله تعالى فعله هذا بقوله عز وجل ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ) (٥) وما بعده (٦).
__________________
(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٠٦
(٢) سورة : يونس ، الآية : ١٥
(٣) سورة : الممتحنة ، الآية : ١٠
(٤) قلت : قال ابن الأثير في النهاية .. وقيل هو مهموز وقيل الأصل فيه الهمز من جنأ يجنأ اذا مال عليه وعطف ثم خفف وهو لغة في أجنأ .. ووجدت في هامش الأصل ما نصه يجنأ بالجيم مهموز.
(٥) سورة : النساء ، الآية : ١٥
(٦) قوله وما بعده خبر قوله ونبدأ بباب الترغيب الخ وما بعده باب أصل النسخ واشتقاقه.