تخفوه يحاسبكم به الله نسخه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وهذا لا يجوز أن يقع فيه نسخ لأنه خبر ولكن التأويل في الحديث لأن فيه لما أنزل الله ( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) (١) اشتد عليهم ووقع في قلوبهم منه شيء عظيم فنسخ ذلك ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (٢) أي فنسخ ما وقع في قلوبكم أي أزاله ورفعه. ومن هذا المشكل قوله تعالى ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا ) (٣) الى قوله ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ ) (٤) ثم نسخه ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ) (٥) وهذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر ولكن تأويله إن صح نزل بنسخته (٦) والآيتان واحد يدلك على ذلك ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ) (٧) ومن هذا ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) (٨) قال عبد الله بن مسعود نسخهما ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (٩) أي نزل بنسختهما وهما واحد والدليل على ذلك قول ابن مسعود حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يشكر فلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى [ قال أبو جعفر ] هذا لا يجوز أن ينسخ لأن الناسخ هو المخالف للمنسوخ من جميع جهاته الرافع له المزيل حكمه وهذه الاشياء تشرح بأكثر من هذا في موضعها من السور ان شاء الله تعالى.
__________________
(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٨٤
(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٨٦
(٣) سورة : الفرقان ، الآية : ٦٨
(٤) سورة : الفرقان ، الآية : ٦٨ ـ ٦٩
(٥) سورة : النساء ، الآية : ٩٣
(٦) قوله نزل بنسخته .. يريد والله أعلم كما قاله الراغب في مادة ( نسخ ) ما نوجده وننزله من قولهم نسخت الكتاب .. وقد تقدم مثله للمصنف عن أبي عبيد وسماه النسخ الثالث.
(٧) سورة : طه ، الآية : ٨٢
(٨) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٢
(٩) سورة : التغابن ، الآية : ١٦