و ( بَراءَةٌ ) نزلت بعد هذا لأن عقبة قتل يوم بدر وأبا عزة قتل يوم أحد .. قالوا فليس في هذا حجة .. فقيل فإن ثبت في هذا حجة فهو القتل كما هو فأما الاحتجاج بما فعله أبو بكر الصديق وعمر وعلي رضوان الله عليهم من المنّ فليس فيه حجة لأن أبا بكر الصديق إنما منّ على الأشعث لأنه مرتد فحكمه أن يستتاب وانما منّ عمر رضياللهعنه على الهرمزان لأنه احتال عليه بأن قال له اشرب فلا بأس عليك فقال له قد أمنتني وعلي بن أبي طالب رضياللهعنه إنما منّ على قوم مسلمين يشهدون شهادة الحق ويصلون ويصومون .. قال أبو أمامة كنت معه بصفين فكان اذا جيء بأسير استحلفه أن لا يكثّر عليه ودفع اليه أربعة دراهم وخلاه وكان هذا مذهبه ولا يقتل الأسير من المسلمين ولا يغنم ماله ولا يتبعه اذا ولّى ولا يجهز على جريح فكانت هذه سنته في قتال من بغى من أهل القبلة حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) قال نسختها ( فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ) (١) وقال مجاهد نسختها ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) .. [ قال أبو جعفر ] ومن ذلك ما حدثنا .. الحسن بن عليب عن يوسف بن عدي قال حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) قال فلا يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادى اذا أسر كما قال الله عز وجل .. وقال الأشعث كان الحسن يكره أن يقتل الأسير ويتلو ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) .. والقول الرابع ورواية شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال لا يكون فداء ولا أسر الا بعد الإثخان والقتل بالسيف .. والقول الخامس قاله كثير من العلماء .. [ قال أبو جعفر ] كما حدثناه .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) .. قال فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم بالخيار في الأسارى إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوا بهم وإن شاءوا منوا عليهم وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما وهو قول حسن لأن النسخ إنما يكون بشيء قاطع فأما اذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى في القول بالنسخ إذ كان يجوز أن يقع التعبد اذا لقينا الذين كفروا قبل الأسر قتلناهم فاذا كان الأسر جاز القتل والمفاداة والمنّ على ما فيه الصلاح للمسلمين وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد وبالله التوفيق.
__________________
(١) سورة : الأنفال ، الآية : ٥٧