بصيرتك ، ونزع عن الباطل ولم يعمّ في طغيانه بعمه (١) ، فإنّ تمام النعمة دخولك الجنّة ، وليس من نعمة وإنْ جلّ أمرها وعظم خطرها إلاّ والحمد لله تقدّست أسماؤه عليها يؤدّي (٢) شكرها.
وأنا أقول : الحمد لله مثل ما حمد الله به حامد إلى أبد الآبد بما مَنّ به عليك من نعمته ، ونجّاك من الهلكة ، وسهّل سبيلك على العقبة ، وايمّ الله إنّها لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، طويل عذابها ، قديم في الزبر الاُولى ذكرها ، ولقد كانت منكم أُمور في أيّام الماضي عليهالسلام إلى أنْ مضى لسبيله صلّى الله على روحه. وفي أيّامي هذه كنتم فيها غير محمودي الشأن ولا مسدّدي التوفيق.
واعلم يقيناً يا إسحاق : أنّ من خرج من هذه الحياة الدنيا أعمى فهوفي الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً ، إنّها ـ يا ابن إسماعيل ـ ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصدور ، وذلك قول الله عزّوجلّ في محكم كتابه للظالم : ( رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ) قال الله عزّوجلّ : ( كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى ) (٣).
وأيّ آية ـ يا إسحاق ـ أعظم من حجّة الله عزّوجلّ على خلقه ، وأمينه في بلاده ، وشاهده على عباده من بعد ما سلف من
__________________
١ ـ في الطبعة الحجريّة وهامش « ت » : بعمته ، وفي المصدر : نعمه.
العَمَهُ ـ محركة ـ التردّد في الضلال ، والتحيّر في منازعة أو طريق ، أو أنْ لا يعرف الحجّة. انظر القاموس المحيط ٤ : ٢٨٨.
٢ ـ في « ش » والمصدر : مؤدّى.
٣ ـ سورة طه : ١٢٥ ـ ١٢٦.