وقد اختلفت تعبيرات الفقهاء عن هذا المعنى ، فلهذا عرّفوه بتعريفات متعدّدة وحدّدوه بحدود متبدّدة ، وإنْ كان جلّها أو كلّها غير سالم من الخدش والإيراد ، إمّا في الانعكاس أو الاطّراد ، كما لا يخفى على المتتبّع النقّاد.
إلّا إنّ الظاهر أنّ مراد الفقهاء من التعاريف الفقهيّة ليس هو التحديد بالحدود الحقيقيّة ، بل مطلق التصوير في الجملة بتبديل الأسماء الخفيّة بالأسماء الجليّة ، لوضوح المراد من ألفاظ العبادات الشرعيّة المخترعة في عرف المتشرّعة.
فعلى كون الصوم في اللغة الإمساك مطلقاً تكون النسبة بين المعنى اللغوي وبين المعنى الشرعي العموم والخصوص المطلقين ؛ لصدق الشرعي على ما يصدق عليه اللغوي من دون عكس ، فكلّ صوم شرعيّ صوم لغوي ، ولا كلّ صوم لغوي صوماً شرعيّاً ، بل بعض اللغوي شرعي ، فمرجعهما إلى موجبه كلّيّة من جانب وسالبة جزئيّة من آخر ، فالشرعي حينئذٍ أخصّ مطلقاً واللغوي أعمّ مطلقاً ، وكلّ أخصّ فهو مندرج تحت أعمّ.
وأمّا على كون الصوم لغة الإمساك عن أشياء مخصوصة ، فالنسبة بين المعنيين العموم والخصوص من وجه ، لصدق كلّ منهما على الآخر لا مطلقاً بل من وجه ، فيصدق الشرعي على بعض ما يصدق عليه اللغوي ، كما يصدق اللغوي على بعض ما يصدق عليه الشرعي ، فيجتمعان في الإمساك عن المفطرات من الفجر إلى الغروب مع النيّة.
وينفرد اللغوي بالإمساك عن الكلام أو النوم أو الطعام في جزء يسير من النهار ، فيصدق اللغوي دون الشرعي.
وينفرد الشرعي بصورة الأكل أو الشرب ناسياً ، على فرض صدق التعريف الاصطلاحي على هذه الصورة بجعلها في حكم الإمساك عن المفطرات في الوقت المخصوص مع النيّة ؛ لصدق الشرعي حينئذٍ دون اللغوي ، لعدم إرادة قيد حال العلم في اللغوي بخلاف الاصطلاحي.