بريء من الريب والرين أنّ ذينك الأمرين أنّما هو حجّه عليه بلا مَيْنٍ (١).
أمّا الأوّل ؛ فلا اعتماد على ما ذكره من إطلاقه الجهر بها ، فلا حاجة إلى التنبيه عليه ثانياً.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّ الاقتصار على حكاية الوجوب دليل العموم ؛ لما تقرّر في مقرّه من أنّ حذف المتعلّق يفيد العموم ، وسائر غاياته المذكورة في محلّها لا مدخل لها هنا ، فليس إلّا ما ذكرنا.
وأمّا استفادة الجهر للإمام والمأموم من العبارة فهو غني عن التصريح ، بل الإشارة ، وهو يؤيّد ما قلناه من أنّه اختيار الأكثر.
فظهر أنّ تخصيص هذا الشيخ الوجوب بالأُوليين دعوى عادمة الدليل ، ومظلمة طخياء فاقدة السبيل.
ثمّ قال أصلح الله له البال ـ : ( وقريب منه كلام الصدوق ؛ لأنه رحمهالله ذكر أوّلاً ما يقرأ في الأُوليين ، ثمّ قال : ( واجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات ، واجهر بجميع القراءة في المغرب والعشاء الآخرة والغداة ثمّ قال ـ : ولا تجهر بالقراءة في صلاة الظهر والعصر ) (٢). والمتيقّن إنّما هو الجهر في الأُوليين في جميع الصلوات في الجهريّة والإخفاتيّة لا في جميع الركعات ، وذكره الأخيرتين من غير ذكر الجهر بالبسملة في الفاتحة دليل على ما قلناه ، فتأمّل ).
أقول : لا يخفى على نبيل نبيه خاض عُباب ( مَنْ لا يحضره الفقيه ) كونه على الدلالة على مدّعى هذا الفاضل بوادٍ سحيق ، وبعده عن مساحة التحقيق ، ووقوعه في شرك المضيق.
أمّا أوّلاً ؛ فلذكره أوّلاً ما يقرأ في الأُوليين ، ثمّ ذكر الجهر بالبسملة بعده أنّما هو أمر اصطلاحي ، إذ لا مشاحّة في الاصطلاح ، وقد جرت عادة القوم بذلك والسلوك في هذه المسالك ، كما لا يخفى على مَنْ أحاط خبراً بما هنالك.
وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ العطف أنّما وقع بـ ( الواو ) التي هي لمطلق الجمع عند المحقّقين ،
__________________
(١) المَيْنُ : الكذب. لسان العرب ١٣ : ٢٣٦ مين.
(٢) الفقيه ١ : ٢٠٢ / ذيل الحديث ٩٢٣.