استند إلى الحديث الغير المشهور.
وحينئذٍ ، فقصارى ما دلّت عليه المقبولة المذكورة قبول الفتوى المشتهرة المستندة إلى المشهورة ، ولا يخفى أنّ محطّ خيام النزاع أنّما هو إثبات مثل هذه الفتوى ؛ إذ الفتوى المجرّدة من وفاق الكتاب والسنّة لا تصلح وسيلة للعمل ولا مَجَنَّة (١) ، فهي في حال الشهرة والندرة على حدّ سواء في الانحراف عن سَمْتِ حدّ الاستواء.
فلنفرض أنّ الحاكمِين باستحباب الجهر استندوا في فتواهم هذه إلى روايات مشهورة ، وابن إدريس استند في فتواه إلى ما كان عكس ذلك من الرواية وشطيره ، فالواجب الأخذ بالفتوى المشهورة ؛ لأمر الإمام عليهالسلام الظاهر بالأخذ بهما وترك ذاك النادر.
وأمّا المرفوعة (٢) فظهورها في أنّ مورد الشهرة ترجيح إحدى الروايتين لا يمنع إرادة الفتويين :
أمّا أوّلاً ؛ فلاندراجه تحت خصوص سبب السؤال ، وهو غير مخصّص بلا إشكال ، كما حقّقه جمهور العلماء الأبدال ، فإنّ اللفظ الوارد هنا بعد السؤال أعمّ من المسئول عنه ظاهر الاستقلال ؛ لقوله عقيب السؤال عن حال الخبرين المختلفين : « خذ ما اشتهر بين أصحابك » ، و ( ما ) من ألفاظ العموم قطعاً ، فيعمّ الأخذ بشهرة الفتوى والعمل معاً ، ولا عبرة بخصوص السؤال ، بل المدار على عموم الجواب ، كما هو الحقّ والصواب ، فيبقى على عمومه حيث لا مخصّص ، ولا تخصيص بغير مخصّص.
وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ أظهريّة بعض أفراد العامّ من غيره لا يقتضي الاختصاص ، ولات حين مناص ، فإنّ العامّ لا يجب تساوي نسبته إلى جميع جزئيّاته في الدلالة عليها ، بل يقبل التفاوت شدّةً وضعفاً ، كما صرّح به العلّامة في نهايته.
__________________
(١) المَجَنَّة : الموضع الذي يستتر فيه. لسان العرب ٢ : ٣٨٧ جنن.
(٢) غوالي اللئلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩.