وبالضرورة أنّ المتبادر من قوله عليهالسلام : « قراءة وسطاً » الجهر والوسط في القراءة ؛ لأنّه في مقام البيان ، مع أنّ السؤال عن غاية الجهر وحدِّ إسماع الإمام من خلفه.
ومنها : سبب النزول (١) ، فإنّ سببه أنّه عليهالسلام كان يجهر بمكّة فيعلم بمكانه المشركون فكانوا يؤذونه فنزلت ، ولا يخفى ما فيه من الدلالة الصحيحة الصريحة على مداومته عليهالسلام على الجهر وأنّه الأصل ، لكنّه عليهالسلام أُمِر بالقراءة بالجهر الوسط دون الذي كان يجهر به أوّلاً ؛ صوناً لنفسه وعرضه ، ورعايةً لحال آله عن أذى المشركين ، ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحى ) (٢) ، وليس هذا نسخاً بل دفاعاً عنه عليهالسلام ، إذ الضرورة تتقدّر بقدرها. هذا ومن أراد بسط المقالة فليرجع إلى تلك الرسالة.
ثمّ قال أصلح الله له الحال والبال ـ : ( احتجّ موجبو الجهر بأنّ أئمّتنا سلام الله عليهم كانوا يداومون على الجهر بالبسملة على ما دلّت عليه أخبارهم ، ولو كان مسنوناً لأخلّوا به في بعض الأحيان ، ويمكن الاحتجاج لهم أيضاً بقول أمير المؤمنين : « ولألزمتُ الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (٣).
والجواب عن الأوّل من وجهين : الأوّل : أنّ هذا من باب التأسّي ، والتأسّي في ما يعلم وجهه مستحبّ لا واجب إجماعاً ، لأنّهم يداومون على السنن كما يداومون على الفرائض.
الثاني : خلوّ الأخبار الكثيرة الواردة في مقام البيان من ذكر الجهر بالبسملة بالكلّيّة :
منها : صحيح محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقرأ في الأُوليين من صلاة الظهر سرّاً » (٤) ، ولم يقل : ويجهر بالبسملة ، وترك الاستفصال دليل العموم.
ومنها : صحيحة أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « إذا كنت إمام قوم فعليك أنْ تقرأ في الركعتين الأُوليين » (٥) ، ولم يقل : واجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، فيستفاد من هذه الرواية أنّ
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ : ٣٤١ / ١٧٥. (٢) النجم : ٢ ٣.
(٣) الكافي ٨ : ٥١ / ٢١. (٤) التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٢.
(٥) التهذيب ٣ : ٢٧٥ / ٨٠٠.