إرادة أحدهما ، إذ ليس عندنا غيرهما ، ولا يجوز إرادة الإخفات الوسط ؛ لعدم تصوّره أو ندرته وشيوع مقابله ، فليس المراد والله العالم إلّا الجهر الوسط ؛ لإطلاق الجهر بالتشكيك على أفراد كثيرة متفاوتة قوّةً وضعفاً دون الإخفات.
فالمراد حينئذٍ والله العالم ـ : وابتغ بين أدنى الجهر وأعلاه سبيلاً ، وهو المطلوب. وإرادةُ الإخفات الوسط لكونه مشكّكاً كالجهر مردودٌ :
أوّلاً : بأنّ ذلك مُشارٌ بهِ إلى الجهر على القياس من وضعه للبعيد.
وثانياً : بأنّه لو أراد البينيّة لقال : وابتغ بين ذينك.
وثالثاً : يمنع التشكيك وإن سُلِّم كونه ذا أفراد ، إذ ليس له طرفان أدنى وأعلى.
ورابعاً : بمنع كونه ذا وسط بين القوّة والضعف ، إذ أدناه إسماع النَّفْس ، وأعلاه إسماع القريب الصحيح السمع ، ولا واسطة ؛ لترتّب أحدهما على الآخر ، فإذا تجاوز إسماع نفسه بلغ إسماع القريب الصحيح السمع ، بخلاف الجهر.
وخامساً : بأنّه لو سلّم إمكان وجوده بالقسمة العقليّة من أنّ كلّ ذي طرفين فله وسط ، إلّا إنّ العرف يقطع بعدم الوسط في مثله ، ولهذا لا تكاد تسمع إخفاتاً وسطاً ، إذ ليس إلّا ما يُسمع الإنسانُ نفسه ، وما يُسمعُ القريبَ الصحيحَ السمع ، وما بينهما تقصر العبارة عن تحديده ، بل لا يعقل إلّا بالقسمة العقليّة ، وما تشتمل عليه لا يلزم وقوعه ، إذ أكثر أفرادها يكون في جانب المحال.
وله أمثلة كثيرة في علوم كثيرة ، كضروب الأشكال الأربعة المنطقيّة وتقسيمهم بحسبها ما يتعلّق بالوجود نفياً وإثباتاً ، وجوازاً ووجوباً إلى واجب الوجود وجائزه وممتنعه ، ولا ريب أنّ الثالث غير متصوّر ، بل تسميته بالممتنع كافٍ في المطلوب مع فرضهم إيّاه.
ومنها : صحيح عبد الله بن سنان المرويّ في ( الكافي ) و ( تفسير العياشي ) ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الإمام هل عليه أنْ يُسمع مَنْ خلفه وإنْ كثروا؟ قال : « ليقرأ قراءة وسطاً ، إنّ الله يقول ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (١) » (٢) الحديث.
__________________
(١) الإسراء : ١١٠.
(٢) الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٧ ، تفسير العيّاشي ٢ : ٣٤١ / ١٧٤.