المساواة بين البدل والمبدل ثانياً ، ولهذا ادّعى الحلّي (١) فقد النصّ ، وكلا الأمرين في حَيّز المنع :
أمّا الأوّل ؛ فلأنّ الأخبار الصحاح الصراح التي رواها هو وغيره أنّما دلّت على أصالة الجهر وأفضليّته ، فلا ينطبق على قاعدته.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّا مع تسليم البدليّة لمّا استقرأنا موارد البدل فلم نرَ لزوم مساواته لمبدوله كالتيمّم بالنسبة إلى الوضوء والغسل والارتماس بالنسبة إلى الأخير ، وغير ذلك من المواضع لم يلزمنا المساواة بينهما الّا مع قيام الدليل عليه ، وليس فليس.
ولهذا اختار جمع من المحقّقين كابن إدريس في سرائره (٢) والعلّامة في تذكرته (٣) والسيّد السند في مداركه (٤) وغيرهم من الفضلاء جواز الجهر به ، فما ادّعاه سلّمه الله من أنّ الأخيرتين إخفاتيّتان قطعاً لا وجه له عند التحقيق وإنْ كان لا يخلو من وجه في الجملة وعدم التدقيق ، والله الهادي إلى سواء الطريق.
ثمّ قال بلّغه الله مراتب الكمال ـ : ( وذهب ابن إدريس رحمهالله إلى استحباب الجهر بالبسملة في الأُوليين ووجوب الإخفات بها في الأخيرتين ، وهذا عندي هو المذهب الصحيح.
أمّا استحباب الجهر في الأُوليين ؛ فلصحيحة صفوان بن مهران الجمّال ، قال : ( صلّيت خلف أبي عبد الله عليهالسلام أيّاماً فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا كان صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك ) (٥). فالجهر في هذه الرواية خاص بالأُوليين ).
أقول والله الموفّق لإدراك المأمول ـ : لا يخفى على ذوي العقول والإنصاف والإنصات ما فيه من عدم الدلالة على الاختصاص بالأُوليين بإحدى الدلالات ، إذ قصارى ما دلّ عليه الصدر أنّه يقرأ في فاتحة الكتاب بالبسملة ، والعجز على
__________________
(١) السرائر ١ : ٢٢٢.
(٢) السرائر ١ : ٢٢٢.
(٣) التذكرة ( العلّامة ) ٣ : ١٤٥.
(٤) مدارك الأحكام ٣ : ٣٨٢.
(٥) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ٣١١ / ١١٥٤.