ولا يخفى على ذي فكر صحيح ورأي رجيح أنّ نصّ هذا الكلام الصريح مرجوحيّة القراءة وأفضليّة التسبيح ، فإنْ اختار المصلّي القراءة جهر بالبسملة ، وإنْ اختار التسبيح جهر به أيضاً ، إلّا إنْ الظاهر من عبارته في هذا الكتاب أنّ ذلك على سبيل الاستحباب لا الإيجاب وإن كان كلامه في ( المجالس ) (١) صريحاً في الأخير كما لا يخفى على الناقد البصير. ولا منافاة بين أفضليّة التسبيح وبين ذكر الجهر بالبسملة حتى يمتنع أحدهما بوجود الآخر ، وترى القائلين بأفضليّة التسبيح بل بتعيّنه لا بدّ أنْ يصرّحوا بالجهر بها أيضاً.
لا يقال : هذا الكلام لا يدلّ على الجهر بالتسبيح ؛ لجواز أنْ يكون قوله : ( وفي الركعتين الأُخراوين ) عطفاً على الركعة الاولى في قوله : ( وأفضل ما يقرأ .. إلى قوله ـ : في الركعة الأُولى الحمد وإنّا أنزلناه ) .. إلى آخره.
لأنّا نقول : هذا لا يجوز :
أمّا أوّلاً ؛ فلمخالفة السوْق كما يحكم به مَنْ له إلى الإنصاف تَوْق ويشهد به الذوق ، فإنّ الجهر في الكلام الأوّل مرفوع على الخبريّة ، والتسبيح في الثاني مجرور بالباء ، مع أنّ مراعاة الأُسلوب عند الفصحاء مطلوب.
وأمّا ثانياً ؛ فلما بينه وبين المعطوف عليه من البعد غاية ، والاعتراض بالجمل أكثريّة نهاية ، بحيث يخرج به الكلام من أدنى مراتب الفصاحة وينسلك في سلك السماحة والقباحة ، بل لا يصدر مثله من المتناهي في الفهاهة (٢) فضلاً عمّن رقى أعلى مدارج الفقاهة كما لا يخفى على ذي سماحة ورجاحة ، هذا مع وجود المصحّح بل المرجّح لعطفه على القريب اللصيق كما لا يخفى على مَنْ شرب من رحيق التحقيق.
وأمّا ثالثاً ؛ فلأنّه رضى الله عنه لو أراد العطف على الركعة الأُولى كما قيل لأتى بقوله : ( وفي الركعتين الأُخراوين بالتسبيح ) عقيب انقضاء الكلام على ما يستحبّ قراءته في الأُوليين في سائر الأيام ، ولم يفصل بما يوجب اللبس على الأنام.
وأمّا رابعاً ؛ فلأنّ مبنى وجوب الإخفات به على بدليّته عن الحمد أوّلاً ، ولزوم
__________________
(١) أمالي الصدوق : ٥١١.
(٢) فَهَّ عن الشيءِ : نَسِيَهُ. لسان العرب ١٠ : ٣٤٣ فهه.