مَنْ بعدهُ ، على المعنى المشهور في معنى التصحيح المزبور ، كما حقّقناه في كتابنا المذكور (١).
مع أنّ بعضَ المحقّقين كالفاضل التقيّ المجلسيّ صرّح بأنَّ الاطمئنان بخبر المجهول أقوى من الاطمئنان بخبر الضعيف. وهو غيرُ بعيدٍ ؛ لقضاء التتبّع بأنّ مدار القدماء ولا سيّما أصحاب الكتب الأربعة على الكتب المشهورة ، والأُصولِ المعتبرة ، وأنَّ ذكر السند للتيمّن بذكر سلسلة الرجال ، ولئلّا يتوهّم في الخبر الإرسال.
وإمّا من حيث المتن ، فلا ريبَ في ظهورهما في التخيير للنائي في الحضور ، وإنّما الكلامُ في دلالتهما على اختصاصه بالنائي ، وذلك لا ينافي الظهور.
بل قد يقال : إنّ منع دلالتهما على اختصاص الرخصة بالنائي كما في ( المدارك ) (٢) محتجا بأنّ استحباب الإذن في الخطبة للنائي في عدم الحضور لا يقتضي وجوبَ الحضور على غيره ممنوعٌ ؛ فإنّ مقتضى تخصيص القاصي بالتخيير عدمُ التخيير للقريب ؛ لأنّ تعليق الحكم على الوصفية مشعرٌ بالعليّة.
وبما ذكرناه يظهر أنّ ما قيل من ضعفِ الخبرينِ ، سنداً ودلالةً ، في حيّز المنع ، كما لا يخفى على ذي نبالة.
كما أنّ ما في ( الجواهر ) من المناقشة في خبر سَلَمَة بـ ( أنّه ليس فيه كون المنزل نائياً ) (٣). إنّما يتمُّ على ما استظهره من ( أنّ قوله : « يعني مَنْ كان متنحّياً » لم يُعلمْ أنّه من كلام الإمام عليهالسلام ) (٤) لا مطلقاً.
بل قد يقال مع تسليمه ـ : إنّ تفسير الراوي والكليني قدسسره ممّا يكشف عن مراده عليهالسلام ؛ لأنّهم لقربِ عهدهم أعرفُ بعرفِ أئمّتهم الأعلام ، ومرادِهم من معاريض الكلام ، كما قال الصادق عليهالسلام
لا يكونُ الرجلُ منكم فقيهاً حتى يعرفَ معاريضَ كلامِنا (٥).
__________________
(١) زاد المجتهدين ١ : ٢٠٩.
(٢) مدارك الأحكام ٤ : ١١٩ ١٢٠.
(٣) الجواهر ١١ : ٣٩٦.
(٤) الجواهر ١١ : ٣٩٧.
(٥) معاني الأخبار : ٢ / ٣.