قال : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر » قال : قلت : فإنّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على الآخر؟
قال : فقال : « ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » (١) .. إلى آخرها.
فتدبّر ما نظم بنانُها من فرائد الفوائد الكثيرة ، وأتى به بيانُها من فوائد العوائد الأثيرة ، ألا تراها ناطقة :
أوّلاً : بتوصيف مَنْ يرجع في الحكم إليه ، وتعريف مَنْ يُعوَّل في الفتاوى عليه.
وثانياً : إنّ كلّا من المتنازعين اختار رجلاً فرضيا أنْ يكونا الناظرين في حقّهما ، فاختلفا في ما حكما ، وهذا نصّ في أنّ المرضيّ بهما غير راويين ، وإنّما هما مفتيان ، فاختلفت فتواهما بقرينة قوله : « الناظرين » و « حكما » ، فإنّ النظر هو ترتيب أُمور معلومة للتأدّي إلى مجهول ، والحكم هو نتيجة ذلك الترتيب المذكور.
وأمّا قوله : ( وكلاهما اختلفا في حديثكم ) ، فمعناه أنّ كلّاً من المفتيين اختلفا في تفريع الحكم على الأصل الوارد عنكم ، حيث قد أذنتم لهما في التفريع بقولكم : « علينا أنْ نلقي إليكم الأُصول ، وعليكم أنْ تفرّعوا » (٢).
أو ( اختلفا في ما استند إليه من حديثكم ) يعني : أن كلّاً منهما أفتى بقول واستند فيها إلى حديث عنكم.
وقوله عليهالسلام أخيراً : « ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به » ، أي : ينظر إلى ما فرّعا عليه الحكم إلى الحديث الذي استندا إليه في الدلالة على مدّعاهما صريحاً فيعمل بالمشهور منهما ، أي : بفتوى الحكم الذي استند إلى الحديث المشتهر عند أصحابك ، بقرينة قوله سابقاً : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما .. » إلى آخره ، وترك الذي ليس بمشهور ، أي : فتوى الناظر الآخر الذي
__________________
(١) الكافي ١ : ٦٧ ٦٨ / ١٠.
(٢) السرائر ٣ : ٥٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٦١ ٦٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٦ ، ح ٥١.