الثاني : أنّ الجمّ الغفير والجمع الكثير من جهابذة النقّاد وذوي الفكر الوقّاد كالشهيدين (١) والشيخ سليمان الماحوزي والسيد نعمة الله الجزائري والشيخ سليمان بن الشيخ أحمد الخطّي وغيرهم من الفضلاء ، صرّحوا باختياره الوجوب على جهة الإطلاق ، وهم أعرف منّا بمصطلحاتهم ومعرفة أقوالهم وأنقالهم.
الثالث : أنّ أُولئك الفضلاء قد نقلوا عنه التصريح بالوجوب ، وكلامه في ( المهذّب ) غير نصّ فيه ، لأنّ قوله : ( فإنّه يجهر بها في كلّ الصلوات ) أعمّ من الوجوب ، مع ما في دلالة الجملة الخبريّة عليه من المناقشات والمناقضات ، وما ذاك إلّا لاطّلاعهم على الوجوب والإطلاق من سائر المصنّفات كما يشهد به كلام الشيخ المقداد في ( التنقيح ) ، حيث قال في شرح قول المحقّق : ( ومن السنن الجهر بالبسملة ) .. إلى آخره ما لفظه :
( قال ابن البرّاج : يجب الجهر بها في ما يخافت ؛ لمواظبة الرضا عليهالسلام على ذلك ) (٢) ، فإنّه ظاهر في حكاية لفظ ابن البرّاج ، وهو صريح في العموم والإطلاق بلا ارتتاج ، كما لا يخفى على مَنْ له إلى المعرفة أدنى معراج.
فظهر أنّ قوله سلّمه الله تعالى ـ : ( فالعبارة لا يستفاد منها إلّا وجوب الجهر في الأُوليين من كلّ صلاة جهريّة كانت أم إخفاتيّة ) في غير محلّه ، مع أنّ حكم أُوليي الجهريّة غنيٌّ عن البيان بديهي العرفان.
وأمّا قوله : ( والأخيرتان إنّما هي إخفات قطعاً ) ففيه ما فيه ، إذ قصارى ما دلّ عليه الدليل هو الإخفات بالقراءة ، إلّا إنّ البسملة خرجت بالدليل الخارجي المقتضي للجهر بها في أُوليي الإخفاتيّة العامّ للأخيرتين ؛ لعدم المدخليّة للفرق بين ذينك الموضعين ، كما سيأتي إنْ شاء الله تعالى الإشارة إليه والاستدلال عليه.
وأمّا ذكره رحمهالله بَعْدَ حُكمِ الأخيرتين وإهمال ذكر البسملة بالكلّيّة ونقل بعض الفضلاء عنه الوجوب من غير أنْ يذكر الأُوليين والأخيرتين ، فلا يخفى على ذي قلب
__________________
(١) البيان ( الشهيد الأوّل ) : ١٦١ ، روض الجنان ( الشهيد الثاني ) : ٢٦٨.
(٢) التنقيح الرائع ١ : ١٩٩ ، وفيه : ( لمواظبة الصادق عليهالسلام على ذلك ).