الأوائل والأواخر.
ظهر الفساد في البرّ والبحر (١) ، واشتهر العناد في البدو والحضر ، واظهرت الأحقاد القديمة ، وغيرت الطرائق القويمة ، وعلت الأسافل على الأعالي ، وانحط من سعر الاسلام كلّ غالي ، وصار زمامه في أيدي أرذاله ، وقواُمّه في قبضة جهاله ، وسلطانه إلى أعداء صاحب دعوته مفوضاً ، وبنيانه بأكف الملحدين في آياته مقوضاً ، فأجهدوا جهدهم في إدحاض حجته ، وبذلوا وسعهم في إبطال أدلته ، ولمّا رأوا دعوته قد حكمت ، وفروضه قد استحكمت ، وقدمه في صعيد القوّة راسخة ، وفروعه في سماء العزّة شامخة ، واصوله في القلوب ثابتة ، ومسله (٢) في النفوس ثابتة ، وأنواره في الآفاق ساطعة ، وحدوده لأسباب الشرك قاطعة.
لم يتمكنوا من إطفاء نوره ، ولم يتحكّموا في إخفاء منشوره ، ولم يجدوا إلى هدم بنيانه سبباً ، وما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً ، أظهروا النصيحة للأنام والغدر حشو صدورهم ، وأضمروا هدم الاسلام بزخرفهم وغرورهم.
فكان أوّل تدبيرهم في تغيير قواعده ، وأعظم تزويرهم في إبطال مقاصده ، صرف الأمر عن ذرّيّة نبيّهم ، والعدول بالحقّ عن عترة وليّهم ، فنقضوا عهد الرسول إليهم فيهم ، وخالفوا نصّه في الغدير وغيره عليهم ، وراموا بوارهم عن جديد الغبراء ، وإعدامهم من أقطار الدنيا ، ولو يجدوا موافقاً على جاهليّتهم ، مدافعاً عن معتقدهم ونحلتهم ، لعبدوا الأصنام ، ولاقتسموا بالأزلام ، ولعظموا الرِّجس من الأوثان ، ولا شتغلوا بعبادة الشيطان عن عبادة
__________________
١ ـ إقتباس من الآية : ٤١ من سورة الروم.
٢ ـ كذا في الأصل.