على أعدائك كوثوب الهزبر البطل ، ولا تجبن كجبن الضعيف النكل ، فإنّي قد كفيتك الحل والترحال ، وجوامع الكلم والمنطق ، ونهاية البلاغة ، ورفع المؤنة ، وسهولة الحفظ ، ولقد وطأت لك يا بنيّ البلاد ، وذللت لك رقاب العرب الصعاب ، واقمت لك المنار ، وسهلت لك السبل ، وجمعت لك اللجين والعقيان ، فعليك يا بنيّ من الاُمور بما قرب مأخذه ، وسهل مطلبه ، وذر عنك ما اعتاص عليك.
وأعلم ـ يا بنيّ ـ ان سياسة الخلافة لا تتم إلا بثلاث : بقلب واسع ، وكفّ بسيط ، وخلق رحيب ، وثلاث اُخر : علم ظاهر ، وخلق طاهر ، ووجه طلق ، ثمّ تردف ذلك بعشر اُخر : بالصبر ، والأناة والتودّد ، والوقار ، والسكينة ، والرزانة ، والمروءة الظاهرة ، والشجاعة ، والسخاء ، والاحتمال للرعية بما تحب وتكره.
ولقد علمت ـ يا بنيّ! ـ أنّي قد كنت في أمرٍ الخلافة جائعاً شبعان ، بشماً شهوان ، اُصبح عليها جزعاً ، واُمسي هلعاً ، حتّى أعطاني الناس ثمرة قلوبهم وبادروا إلى طاعتي ، فادخل ـ يا بنيّ ـ من هذه الدنيا في حلالها ، واخرج من حرامها ، وانصف الرعية ، واقسم فيهم بالسويّة.
واعلم ـ يا بنيّ ـ أنّي أخاف عليك من هذه الاُمّة أربعة نفر من قريش : عبد الرحمان بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وشبيه أبيه الحسين بن علي.
فأمّا عبد الرحمان بن أبي بكر فإنّه إذا صنع أصحابه صنع مثلهم وهو رجل همته النساء ولذة الدنيا فذره ـ يا بنيّ ـ وما يريد ، ولا تأخذ عليه شيئاً من أمره فقد علمت ما لأبيه من الفضل على هذه الاُمّة ، وقد يحفظ الولد في أبيه.
وأمّا عبد الله بن عمر فإنّه رجل صدق وحش من الناس ، قد أنس بالعبادة ، وخلا بالوحدة فترك الدنيا وتخلّى منها ، فهو لا يأخذ منها شيئاً ، وإنّما