ونفعها صانعها بحلل عرفان صفات جبروته ، فأشرقت أنوار توفيقه على مرايا أفئدتها ، فانطبع مثال العالم العلويّ والسفليّ في ألواح معرفتها.
ولمّا أفرغ سبحانه حلل العناية على أعطافها ، ومنحها من كنوز العصمة ذخائر ألطافها ، أنزلها إلى عالم الفناء لاستنقاذ عباده من ورطة جهالتهم ، وتخليص أنامه من لجّة حيرتهم ، وأن يسلكوا بهم سبيل النجاة إلى نعيم جنّته ، ولورودهم معين الحياة من زلال رحمته ، ويحكوا لهم ما شاهدوا من عجائب حكمته ، ويصفوا ما عاينوا من غرائب صنعته ، وما أطلعهم عليه سبحانه من خواصّ قدرته ، وما أعدّ للمتّقين من نعيم لا تفنى أيّامه ، ولا تنقضي أعواُمّه ، ولا تبلى ثيابه ، ولا يتسنّ طعامه وشرابه.
فهدوهم النجدين ، وأوضحوا لهم السبيلين ، وأروهم ما توعّد به من أرخى لامارته عنان شهوتها ، وأجرى جواد معصيته في ميدان لذّتها ، من نارٍ فضيع عقابها ، وجيع عذابها ، ساطع لهبها ، شديد كلبها ، حامية قدورها ، فضيعة شرورها ، سلاسلها طوال ، ومقامعها ثقال ، وأهلها في بلاء شامل ، وعناء متواصل ، لا ينظر إليهم ، ولا يعطف عليهم ، قد أغلقت أبواب الرحمة عنهم وانقطعت الآمال منهم ، حتّى إذا أوضحوا لهم الدليل ، وهدوهم السَّبيل ، ونقعوا غليلهم من عين صافية ، بكأس وافية ، فلبّى دعوتهم ، واتّبع شرعتهم ، واقتفى أثرهم ، وأطاع أمرهم.
رجال صدقت عهودهم ، ووفت وعودهم ، وخلص يقينهم ، وصفى معينهم ، لم يلبسوا الظلم إيمانهم ، ولم يشوبوا بشكّ إنفاقهم ، بذلوا الأجساد في طاعتهم ، وجادوا بالأرواح في نصرتهم ، فأثبتهم سبحانه في ديوان خواصّه ، وشرّفهم بتشريفه واختصاصه ، وألحقهم بدرجة سادتهم ، ورقى بهم إلى منزل