قادتهم ، لما بذلوا الأرواح والأجساد في جهاد الأعداء طاعة لربّهم ، وتلقّوا الصفاح والصعاد (١) من أكفّ الأشقياء في حربهم ، وقويت بامتثال عزائم الله منهم العزائم ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، جعلهم أشرف أهل الجنّة بعد الأنبياء والمرسلين ، وسادة الشهداء من الأوّلين والآخرين.
وكان أعظم من اختصّ بهذه الصفات السنّية ، والمقامات العليّة ، وجعل نفسهُ جُنّة لوليّ أمره ، ووقاية لإمام عصره ، لمّا كفر من كفر ، وأنكر من أنكر ، أصحاب كربلاء الّذين أشرقت أنوار العناية على سرائرهم ، وبرقت بوارق الكرامة من ضمائرهم ، فشاهدوا ما اُلقي إليهم من غيوب البرزخ بأبصار بصائرهم ، ولا حظوا قيام الخلق شتاتاً حين مصادرهم ، ورأوا سبط نبيّهم ، ورهط وليّهم ، قد حفّت بساحته كتائب الطغيان ، وأحدقت بعرصته مواكب البهتان ، قد خلعوا أربقة الايمان من أعناقهم ، وقادهم الشيطان بزمام نفاقهم ، فاعتقدوه ربّاً وخالقاًُ ومدبّراً ورازقاً فآثروا طاعته على طاعة ربّهم ، وامتثلوا أوامره بقالبهم وقلبهم ، وارتدوا على أدبارهم خاسرين ، وأصبحوا بأنعم ربّهم كافرين ، قد حقّت عليهم كلمة العذاب ، واستوجبوا سوء العقاب ، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويهدموا منار الاسلام باعتامهم وسفهائهم ، وخذلوا الأطهار من ذرّيّة رسولهم ، ونصروا الأشرار بفعلهم وقولهم ، فاستحبّوا العمى على الهدى ، وباعوا الآخرة بالاُولى ، وكحلوا بمرود الوقاحة أحداقهم ، ولووا عن سماع الموعظة أعناقهم ، وكفروا بعد إسلامهم ، وجعلوا سيّد شباب أهل الجنّة غرضاً لسهامهم ، وأشركوا وألحدوا ، وأخلفوا ما أوعدوا ، وصبّوا شآبيب نبالهم
__________________
١ ـ الصَّعْدَة : ... قيل : هي نحو من الألّة ، والألّة أصغر من الحَرْبَة.
« لسان العرب : ٣/٢٥٥ ـ صعد ـ »