على شريف خدّه ، وأوردوا معابل انتقامهم من وريد ولده ، وجعلوا عياله يندبن صارخات ، ويتوسّلن متصرّخات.
فعندها بعث روح القدس في عقولهم ، وهزّتهم أريحية الايمان لما شاهدوا من بنات رسولهم ، وجعلوا نحورهم موارد الصفاح ، وصدورهم مصادر الرماح ، ووجوههم وقاية لوليّ أمرهم ، وجباههم جنة لوسيلتهم إلى ربّهم في حشرهم.
ولمّا صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وأصبحو صرعى بين يديه ، قد تحمّلوا الأذى واللأواء ، وسبقتهم أعضاؤهم إلى جنّة المأوى ، واطلّع سبحانه على أسرارهم وإعلانهم ، فوجدهم لا يزيد على إخلاصهم وإيمانهم ، نقلهم إلى جوار حضرته ، ونعيم جنّته ، في قصور عالية ، وقطوف دانية ، وأنهار جارية ، ورياض زاهية ، قد تفجّرت عيونها ، وراق معينها ، وابتسمت أزهارها ، وأينعت ثمارها ، نعيمها لا يبرح ، وساكنها لا ينزح ، وظلّها مديد ، وعيشها رغيد ، وأزواجها أطهار ، وحورها أبكار ، لا يذوقون الموت ، ولا يخشون الفوت ، سقفها عرش الرحمن ، وصعيدها رضا المنّان.
ولمّا فارقت الأرواح منهم الأشباح ، وتكاملت بالسعادة الأبديّة لهم الأفراح ، وسيقوا إلى الجنّة زمراً ، واستنشقوا رياح الرحمة نشراً ، اُقيموا على أعتابها ، واُوقفوا بأبوابها ، منتظرين قائدهم ، وورود رائدهم ، حتّى إذا شرب صلوات الله عليه من كأس المنيّة ما شربوا ، ورغب من جوار الله بما فيه رغبوا ، أقبلت صفوف الملائكة بين يدي حضرته قائمين ، بشرائط خدمته قائلين : أبشر بلقاء جدّك وأبيك ، وجوار اُمّك وأخيك ، فهم إلى رؤيتك مشوّقون ، ولمقدمك متشوّفون.