خطب خبطة أبكى بها العيون ، وأوجل منها القلوب ، ثمّ قال : أيّها الناس ، اُعطينا ستّاً ، وفضِّلنا ، بسبع اُعطينا : العلم ، والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين ، وفضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمد صلىاللهعليهوآله ، ومنّا الصّديق ، ومنّا الطيّار ، ومنّا أسد الله وأسد رسوله ، ومنّا خيرة (١) نساء العالمين ، ومنّا سبطا هذه الْاُمّة [ وسيّدا شباب أهل الجنّة ] (٢) ، من عرفني فقد
____________
فقال الحجّاج : يا علويّ وكم عمر الحسين في دار الدنيا؟
فقال : ثماني وخمسون سنة ، فقال له : وفي أيّ يوم قتل؟
قال : اليوم العاشر من المحرّم بين الظهر والعصر.
فقال : ومن قتله؟
فقال : يا حجّاج ، لقد جند الجنود ابن زياد بأمر اللعين يزيد لعنه الله ، فلمّا اصطفّت العساكر لقتاله فقتلوا حماته وأنصاره وأطفاله وبقي فريداً ، فبينما هو يستغيث فلا يغاث ، ويستجير فلا يجار ، يطلب جرعة من الماء ليطفى بها حرّ الظمأ ، فبينما هو واقف يستغيث إلى ربّه إذ جاء سنان فطعنه بسنانه ، ورماه خولي بسهم ميشوم فوقع في لبته ، وسقط عن ظهر جواده إلى الأرض يجول في دمه ، فجاء الشمر لعنه الله فاجتزّ رأسه بحسامه ورفعه فوق قناته ، وأخذ قميصه إسحاق الحضرمي ، وأخذ سيفه قيس النهشلي ، وأخذ بغلته حارث الكندي ، وأخذ خاتمه زيد بن ناجية الشعبي ، وأحاط القوم بخبائه ، وعاثوا في باقي أثاثه ، وأسبوا حريمه ونساءه.
فقال الحجّاج : هكذا جرى عليهم يا علوي ، والله لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن وبصحة إمامتهما لأخذت الّذي فيه عيناك ، ولقد نجّاك الله تعالى ممّا عزمت عليه من قتلك ، ولكن خذ هذه البدرة لا بارك الله لك فيها ؛ فأخدها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء ربّي وفضله لا من عطائك يا حجّاج ، ثمّ إن العلويّ بكى وجعل يقول :
صلّى الإله ومن
يحفّ بعرشه |
|
والطيّبون على
النبيّ الناصح |
وعلى قرابته
الّذين نهضوا |
|
بالنائبات وكلّ
خطب فادح |
طلبوا الحقوق
فاُبعدوا عن دارهم |
|
وعوى عليهم كلّ
كلب نائح |
[ المنتخب للطريحي : ٤٩١ ـ ٤٩٣ ]
١ ـ في المقتل : سيّدة.
٢ ـ من المقتل.