والّذي بُعدهم أورث جفني أرقاً ، وصدّهم أضرم قلبي حرقاً ، كانوا سروري إن غمّة فرعت ، وحبوري إن أزمة وقعت ، وُجنّتي إن عراني خطب ، وسلوتي إن شجاني كرب ، كشفت أنوارهم حنادس ظلمي ، وشيّدت مكارمهم قواعد بنيّتي ، كم أجروا من جودهم بربوعي بحوراً؟ وكم أغنوا عائلاً فانقلب إلى أهله مسروراً؟ وكم أسمت مطايا شكري في رياض كرمهم؟ وكم أجريت جواد شعري في ميادين نعيمهم؟ وكم سيّرت سفينة ذكري في نثار فضائلهم؟ وكم نثرت جواهر نثري على هامات فواضلهم؟
فأضحى ربعي بجودهم أهلاً ، ونوري بوجودهم كاملاً ، وجنابي بجلالهم محروساً ، ومقامي بكمالهم مأنوساً ، حتّى إذا انخسفت بدور سروري لبعدهم ، وانكسفت شموس حوري لفقدهم ، وأظلم ضيائي ، وخلت أرجائي ، وحارت مقاصدي ، وشَمَتَ حاسدي ، وعزّ لقائي ، وجلّ عزائي ، صرت غرضاً لسهام المصائب ، وغرضاً في سوق النوائب ، يطويني ثكلي وينشرني ، ويبلغني وجدي ويحرقني.
فها أنذا قد شققتُ جَيْبَ صدري بكفّ وحشتي ، وحرمت لذيذ رقادي على إنسان مقلتي ، ولبست أثواب الأحزان مدّة حياتي ، وخلعت جلباب السلوان إلى حين وفاتي ، ونثرت من طرفٍ قريحٍ ، ونظمت من قلبٍ جريحٍ :
ربعكم أحباب قلبي مذ خلا |
|
ونأيتم عنه عيشي ما حلا |
ومديد الشوق بي وافره |
|
ببسيط السقم جسمي أنحلا |
كنتم شمسي فلمّا أفلت |
|
من سماء السعد بدري أفلا |
وأقام الوجد في قلبي مذ |
|
حسنكم عنّي غدا مرتحلا |
مذ بعدتم صيّر الحزن لكم |
|
في صميم القلب عندي منزلا |