مقلتي ، وهضمك أطال حزني ، وظلمك أذوى عصبي ، أمّا ليلي فزفرة وعبرة ، وأمّا نهاري فحيرة وفكرة ، أتفكّر في فوادح مصائبكم ، وأتذكّر عظيم نوائبكم ، وأتصور علم الاسلام والدكم ، وإمام الأنام قائدكم ، خير الاُمّة بعد نبيّها ، وخير الملّة وحفيّها ، الّذي أخذ الله ميثاق ولاته على خلقه ، وأحيى بمعين علمه موات حقّه ، وجعله الهادي إليه ، والدليل عليه.
كلّ علم لا يؤخذ عنه فهو ضلال ، وكلّ دين لا يتلقّى منه فهو محال ، لولا جهاده لما قام عمود الاسلام ، ولولا بيانه لما عرف الحلال من الحرام ، قلبه مخزن علم الله ، ونفسه مشرق نور الله ، بحر لا يدرك قراره ، وسائق لا يشقّ غباره ، لا يعرف الله إلا من سلك سبيله ، ولا ينجو في تيه الضلالة إلا من اتبع دليله ، كيف اجتمعت اُمّة السوء على قتاله ، وانبعث أشقاها لاغتياله ، وصيره ضَمناً في حال ركوعه ، ملقىً في خلال خشوعه؟ بعد أن سلبوه تراث ابن عمّه ، وغصبوه ميراث شقيق دمه ولحمه ، وجعلوا وليّ أمرهم أرذلهم نسباً ، وإمام عصرهم أخملهم حسباً ، أخفض بيت في تيم بن مرّة ، وأكذب منعوت بالصدق والامرة ، لمّا شادوا بالباطل سقيفتهم ، وسموه بخلاف تسمية ربّهم خليفتهم ، هدموا من الحق ما شيّد وليّ الله بجدّه وجهده ، وطمسوا من الصدق ما بين في صدره وورده ، وفرقوا كلمة الاسلام بجبتهم وفاروقهم ، وعطّلوا أحكام القرآن بثالثهم طاغوتهم.
فتبّاً لها من أُمة سوء شرت الضلالة بالهدى ، وباعت الآخرة بالاُولى ، وعدلت بصفوة الله من لا يمت بفضله ، بل ولا يعدل عند الله شرك نعله ، وأهانت خلافة الله حتّى تلاعبت بها اُولوا الأخلاق الذميمة ، والأعراق الموصومة ، وصيروها ملكاً عضوضاً ، وعهداً منقوضاً ، فعاد المؤمن فيها يحذر من فيّه وظلّه ،