ويخفي شخصه عن صحبه وأهله ، ويبتغي نفقاً في الأرض أو سلّماً في السماء ، وينحجر في الزوايا خشية الرقباء ، يرى حتفه بعينيه ، ويسمع لعنه باُذنيه ، وكيف لا يخشى بادرتهم ، ويحذر فاقرتهم ، وهو يرى صنيعهم لسيّدهم ووليّهم ، وخذلهم هاديهم وخليفة نبيّهم ، وأذاهم له بقولهم وفعلهم ، وإجلابهم عليه بخيلهم ورجلهم ، وحربهم له في صفّينهم وجملهم ، وقتلهم له في قبلة مسجده ، وفتكهم به في حال تهجده ، وتصييرهم ولديه سبطي نبيّ الرحمة ، وفرعي شفيع الاُمّة ، وسيّدي شباب أهل الجنّة ، ومن جعل الله وجودهما في الخلق أعظم منّة ، ما بين مسموم ومقتول ، ومهضوم ومخذول؟
فأبعدها الله من اُمّة خبل سعيها ، ودام غيّها ، وطال شقاها ، وخاب رجاها ، تقتل ذرّيّة نبيّها بين ظهرانيها ، وتسبي بنات رسولها وهي تنظر إليها ، ليس فيها رشيد يردعها ، ولا سديد يدفعها ، فما أبعدها من رحمة الله واشقاها ، وأحقها بخزي الله وأولاها؟ قد أوثقها الله بذنوبها ، وختم على قلوبها وغرها سرابها ، وتقطعت أسبابها ، فارتدت على أعقابها ، وضلت في ذهابها وإيابها ، قد طوقها الله طوق لعنته ، وحرم عليها نعيم جنته ، فالمؤمن فيها حامل حتفه على كتفه ، وناظر هلكه بطرفه ، يسلقونه بحداد ألسنتهم ، ويعنفونه بفضيع مقالتهم ، فهو بينهم كالشاة بين الذئاب ، أو الغريب تحتوشه الكلاب ، وعلماؤهم يتجسسون على عورات المؤمنين ، ويبتغون زلات الصالحين ، ويحرمون ما أحل الله بأهوائهم ، ويحلون ما حرم الله بآرائهم ، ويسفهون أحلام من التزم بحبل أهل بيت نبيّه ، ويستهزئون بمن استمسك بولاء عترة وليّه ، وهم مع ذلك يتولّى بعضهم بعضاً ، ويعظم بعضهم بعضاً ، وما ذاك إلا لاختصاص قول المؤمنين بآل محمد صلىاللهعليهوآله فلعداوتهم لهم رموهم عن قوس واحدة.