لم يخلق الله خلقاً أكرم عليه منهم ، ولم يصدر عنه من العلوم ما صدر عنهم.
ولمّا تمت كلمتهم ، وكملت صفتهم ، وشملت رئاستهم ، وعمت خلافتهم ، وعمر برّهم ، وعلا أمرهم ، وخلصت قلوبهم ، وصعبت نفوسهم ، وأفاض الجليل سبحانه على أفئدتهم أنوار جلال عظمته ، ورقّى أرواحهم إلى سماء العرفان فاطلعوا على أسرار إلهيته ، أراد سبحانه أن لا يترك خصلة من خصال المجد ، ولا مزيّة من مزايا الفخر إلا ويجعلهم عيبتها ومجمعها ومنبعها ومشرعها وموئلها ومرجعها ومربعها ، ففازوا من خلال الكرم بالعلى من سهامها ، والأعلى من مقامها ، حتّى وصفهم سبحانه بأشرف خصال الكرامة ، وأنزل قرآناً تتلى آيات مدحتهم فيه إلى يوم القيامة ، وحازوا من المعارف الربّانيّة والأحكام الشرعية ما ينفع العليل ، ويبلّ الغليل.
عنهم اصول العلوم اخذت ، وبنهم اولوا المعارف احتذت ، وعلى قواعدهم بنوا ، وعن أعلامهم رووا ، وجعلهم الله لسانه الناطق بحقّه ، ومناره الساطع في خلقه.
ولمّا انتهت في الكمال رتبتهم ، وعلت في الجلال غايتهم ، وعرفوا المبدع حقّ معرفته ، ونزهوه عمّا لا يليق بصفته ، صفّوا في مقام الخدمة أقدامهم ، ونصبوا في حضرة العزّة أبدانهم ، ولحظوا بعين التعظيم جلال مبدعهم ، وشاهدوا بعين اليقين كمال مخترعهم ، اشتاقت أنفسهم إلى المقام الأسنى ، وتاقت أرواحهم إلى الجناب الأعلى ، من جهاد أعداء ربّهم ، والمموّهين بزورهم وكذبهم ، الّذين باض الشرك في رؤوسهم ، وفرّخ وثبت الكفر في نفوسهم ، ورسخ ونعق ناعق النفاق في قلوبهم فاتّبعوه ، ودعاهم داع الشقاق في صدورهم فأطاعوه ،